لن أهلل مع المهللين ولن أفرح مع الفرحين بشأن الخبر الذي نشر بالأمس عن رفع وزارة العدل والشؤون والأوقاف دعوى قضائية تطالــب بوقـف كافــة أنشطـــة مــا يسمـــى بـ«المجلس الإسلامي العلمائي» وتصفية أمواله وغلق مقره، وذلك لعدة أسباب.
أولاً، الخبر فـي مطلعه يقول «في إطار تنفيـــذ توصيـــات المجلــس الوطنــي والاضطــلاع بمسؤولية تطبيق القانون»، وتاريخ الأمس هو السادس عشر من سبتمبر بينما توصيات المجلس الوطني وضعت موضع التنفيذ بعد توجيهات جلالة الملك في 28 يوليو الماضي، يعني أن تنفيذ التوصيات المعنية بوزارة العدل بدأت بعد 50 يوماً بالضبط من التوجيه، وهذا تأخير لا مبرر له.
هناك من سيقول «إن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، وهذا صحيح، لكننا نقول أيضاً بأن ما يسمى بـ«المجلس العلمائي» كيان موجود فعلياً على الأرض ويعمل وكأنه مؤسسة رسمية ومرخصة منذ عام 2004، ونحن اليوم في عام 2013، أي أن التأخير أصلاً يمتد إلى 9 أعوام كاملة.
انتقادنا لوزارة العدل وسرعة تجاوبها مع تطبيق التوصيات وهو ما أشرنا له سابقاً، لا علاقة له بالتقليل من جهود وزير العدل وعمله الذي نشهد له بالوطنية والإخلاص والكفاءة، فهو من المسؤولين القلائل الذين يثبتون أنهم مستحقون لمنصبهم بالفعل لا بالقول، لكن ذلك لا يمنع من وضع اليد على الخلل والحديث من مبعث النقد وحرية التعبير بشأن وضع خاطئ امتد لسنوات.
منذ 9 أعوام وهذا المجلس كيان غير مرخص، ولكن الدولة لم تتحرك، مجلس له موقع إلكتروني وقنوات تواصل ونظام أساسي وهيكل إداري، وفوق كل ذلك يقول خبر وزارة العدل بالأمس إن هذا التنظيم «شارك» في التشاورات بشأن قانون المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في حينه ووافقوا عليه، إلا أنهم امتنعوا عن الدخول فيه! يعني أن القبول بشكلهم -بحسب الخبر- قبل إعلانهم إنشاء التنظيم هو ما يمنح نقطة قوة وكأن هناك اعترافاً بهم، وحتى السكوت عنهم لسنوات تقارب العقد وكأنه اعتراف بوجودهم، وهو الأمر الذي سيتم استغلاله من قبل الأداة الإعلامية الصفراء ومنابر التحريض وجمعيات الانقلاب من ناحية التوقيت.
في 10 أكتوبر العام الماضي، كتبت مقالاً بعنوان «جرب تفتح برادة بدون ترخيص»! ضربت فيه أمثلة هي كالتالي:
لنفترض أن مواطناً قام بفتح «برادة» دون ترخيص، ما هي الإجراءات التي ستتخذ بحقه من قبل الجهات المعنية؟! هل سيتم السماح له بالاستمرار في ممارسة البيع في هذه «البرادة» حتى لو لم يتحصل على ترخيص لها؟! أم هل سيتم إغلاقها على الفور و«تشميعها» بالشمع الأحمر؟!
لنفترض أن مواطناً آخر صاحب محلات أو مقاولات استخدم عمالة أجنبية دون أن يكمل جميع الإجراءات المطلوبة من قبل هيئة تنظيم سوق العمل. هل سيتم السماح لهم بالعمل لديه، أم أنه سيتم تغريمه بحسب لوائح المخالفات الموجودة في الهيئة، وعلى الفور؟!
مثال آخر، لنفترض أن مواطناً لديه مساحة بداخل سور منزله وأراد أن يبني غرفة صغيرة، وقام بوضع «الطابوق» وتصفيفه فوق بعضه دون أن يتحصل على ترخيص من البلديات. هل سيتم السماح له بذلك، أم ستتم مطالبته بهدم ما بناه باعتبار أنه غير مرخص؟!
مواطنون لهم تجارب في إنشاء مظلات تظليل لسياراتهم بجانب سور البيت أو في مناطق سكنهم. كم شخص اضطر لإزالة هذه المظلات لأنه لم يتحصل على ترخيص لذلك؟! وهل تم الصبر عليهم أياماً لا سنوات حتى يطبق عليهم القانون؟!
هذه أمثلة بسيطة، يملك المواطن إجابات عديدة عليها، كونها واقعاً يعيشه كل يوم، ومن خلاله يدرك أن هناك قوانين تطبق بشكل سريع جداً على حالات معينة بخلاف أخرى!
وكتبت فيما كتبت يومها، الأمور سالفة الذكر كلها تدخل في سياق المصلحة الشخصية للمواطن إن قام بها. لو نفذها دون ترخيص فإنه مطالب بإزالتها وتتم معاقبته بالمخالفة والغرامة المالية، رغم أن كثيراً من هذه العمليات لا تتسبب بالضرر الجسيم لبقية المواطنين، أي ضررها محدود جداً، هذا إن كان فيها ضرر أصلاً.
لكن في المقابل حينما نتحدث عن المجلس العلمائي على سبيل المثال، وهو كيان غير مرخص وغير شرعي تؤكد عليه الدولة، يحق للناس أن تتساءل عن الإجراءات التي اتخذت بحق هذا الكيان غير الشرعي، ومدى تطبيق القانون عليه بنفس الأسلوب والطريقة اللذين يطبقان على المواطن.
المجلس العلمائي منذ كم سنة وهو يعمل وينشط في الداخل البحريني ونشاطه معروف تماماً كيف يكون، ومع ذلك يوصف بأنه «غير شرعي» أو «غير مرخص»؟!
عموماً، ما أورده ليس سعياً لإجحاف أي جهد أو التقليل من شأن أي خطوة، ومثلما قيل «إن تأتي متأخراً أفضل»، لكن ما أوردته فقط مبعثه أساس المسألة، إذ الآن الدولة ترفع قضية على تنظيم غير مرخص وكأن لهذا التنظيم حقاً بالقانون والقضاء ويمكن أن تلعب المحاكم دوراً في تعطيل إجراءات تطبيق المواد القانونية المعنية بإنشاء تنظيمات غير مرخصة، خاصة مع «طقم» محامين سينبرون بالتأكيد للدفاع عن أي شيء يتعلق بانقلاب 14 فبراير.
سأقول في النهاية كما قال الكثيرون «خطوة طيبة»، لكن بانتظار «النقطة في آخر السطر» بشأن هذه المسألة.