المقابلة التي أجرتها وكالة أنباء البحرين «بنا» مع السفير الإيطالي لدى المملكة، ألبيرتو فيكي، ونشرت في الصحف المحلية أخيراً؛ تضمنت معلومات مهمة في ما يخص الموقف من الحوار وسبل الاستفادة من هكذا لقاءات وطنية في هكذا أحوال غير عادية تمر بها البلاد.
يقول السفير: «إن إجراء التسوية يحتاج لأن تكون على معرفة تامة بأنك لابد أن تخسر شيئاً بشكل دائم.. ليعم الخير على البلاد برمتها»، وهذا يعني أن على أطراف التسوية أن يدركوا أن عليهم تقديم تنازلات بعضها كبير، وأن يدركوا أن من بين التنازلات ما هو صعب وبطعم السم، وأن يدركوا أيضاً أن التنازلات طالما كانت من أجل الوطن فإنها لا تعتبر تنازلات؛ وبالتالي فإن خسارة أي طرف لأي شيء هو في كل الأحوال مكسب له لأن فائدته تتجاوز الفئة إلى الوطن والمواطنين عموماً.. حاضراً ومستقبلاً.
للأسف فإن هذا المستوى من التفكير لا يتوفر بعد لدى كثير من المشاركين؛ فالتسوية في كل الأحوال صعبة، خصوصاً أن جانباً منها يتعلق بالكرامة وبحفظ ماء الوجه وبأمور لا يمكن أن تعوض مادياً، ففي السنوات الثلاث العجاف الأخيرة تضررت كل الأطراف وزاد حجم الضرر والخطأ لدى الجميع من دون استثناء.. ولايزال.
ما فهمته من تصريحات السفير الإيطالي هو أن التسوية والحوار أمران يحتاجان إلى توفر «ثقافة» خاصة بهما، وهذا يعني أن المشاركين في الحوار إن لم تتوفر لديهم هذه الثقافة فإنهم إنما يضيعون وقتهم ووقت الوطن ويجرون وراء سراب. كما فهمت منها أن المشاركين إن لم يكن بيدهم اتخاذ قرارهم فإن كل ما يفعلونه هو تضييع للوقت، فالمشارك في التسوية إن لم يكن قراره حاضراً بيده وإن لم يكن قادراً على استيعاب أنه لابد أن يخسر شيئاً بشكل دائم «ليمشي البلم» فلا قيمة لمشاركته فيه.
السفير الإيطالي قال أيضاً إن «الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف السياسية على المدى البعيد ومحاربة التطرف الذي يعطل مصالح الدولة.. وإن الحوار الجوهري هو الحل الوحيد الدائم للمستقبل». وهذا كلام مهم لا يؤمن به إلا العاقلون الذين يتجاوزون مصالحهم الآنية والضيقة ويقدمون مصلحة الوطن عليها وعلى أنفسهم، يساويه في الأهمية قوله: «إنه في أي بلد من بلدان العالم يكون هناك أعداء للحوار يلجؤون من خلال ممارسة العنف لتعطيل هذه الجهود وإعاقة الحوار»، وهذا أمر بات مكشوفاً لكل متابع لمسلسل الحوار في البحرين.
أما المقاربة التي أسهب السفير الإيطالي فيها فكانت في محلها وبرزت كمثال لتجربة ينبغي الاستفادة منها، حيث استذكر «ما مرت به بلاده أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات حينما ظهر الإرهاب وتم القضاء عليه عندما قررت الأطراف السياسية التي كانت مقربة لفئة من الإرهابيين أن تقول كفى لا نستطيع احتمال الإرهاب أكثر من ذلك، ويجب أن نقطع العلاقات مع الإرهاب وأن ندين ما يحدث من إرهاب بدون تردد». هذا يعني أن الخطوة العملية الأولى هي إدانة الإرهاب وبوضوح وقوة ومن دون تردد، وقبلها الاقتناع بأن الإرهاب والعنف والعناد لا يمكن أن ينتج عنهم سوى المراوحة في المكان وفشل كل مبادرة وتعقد المشكلة.
السفير البيرتو فيكي اهتم في حديثه إلى «بنا» بدعوة جميع الأطراف إلى توحيد النوايا ونبذ العنف وإدانته بكافة أشكاله كوسيلة لتحقيق الغايات والأهداف السياسية.. وإلا لن يكون هناك حوار مثمر.
لا أحد يؤيد فتح الباب لمشاركة الخارج في الحوار، لذا فإننا أمام أحد خيارين؛ إما أن يعود المقاطعون برؤية واقعية أو يتم استبدالهم بفريق يمتلك نظرة أشمل وقدرة على اتخاذ القرار.