ما يجعل بعض الدول العربية قوية وحاضرة بقوة في هذا العالم المتناقض، هو امتلاكها لبعض المقومات المادية والاستراتيجية الأساسية التي تؤهلها لأن تظل دول محترمة، كأن تكون من الدول النفطية أو التي تمتلك مجموعــة من الثروات الأرضية وغيرها، أو يكون موقعها موقعاً استراتيجياً يسيل لأجلها لعاب الكبار.
غالبية الدول العربية تمتلك هذين العاملين الأساسيين «النفط والموقع»، ولهذا أصبحت دولاً مهمة في الغالب، وبعض من هذه الدول ربما تمتلك الاثنين معاً، ومن هنــا تكــون محاولـــة استقطاب هذه الدول أمراً محسوماً عند الدول الكبرى، لكن السؤال المطروح هنا؛ هل سيظل الأجنبي متمسكاً بهذه الدول؟ ولو ظل كذلك؛ فإلى متى سيعلق آماله ومصيره على دول ليس يملكها؟
ليس لدى الأجنبي اليوم، وفي ظل تغير الأوضاع العالمية كلها، من خيار سوى البحث عن بدائل يملكها ولا يستأجرها، بدائل تكون ثابتة إلى الأبد، خصوصـــاً فيما يتعلق بالطاقة البديلة أو الاعتماد على حلفاء أقوى من العرب، وهذا هو الأمر الذي نستطيع قراءته عبر كل السلوكيات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي يمارسها الأجنبي، فهو اليوم يفتش عن مصادر للطاقة غير النفط الكلاسيكي، كما بدأ يفتش له عن حلفاء أقوى من العرب، أو أقوى من دول ربما يكون نفطها في قادم الأيام أرخص من الملح، وبهذا سيستغني الأجنبي عن نفطنا وعن أرضنا بمجرد أن يمتلك طاقة غير النفط، وبعد ذلك لن يكون أمامنا سوى أن نعود إلى العصور الصحراوية الأولى.
مشكلة العرب أنهم استثمروا في النفط ولم يستثمروا في الإنسان، ومشكلتهم الأخرى أنهم بنوا مدنهم الإسمنتية بالمال وليس بالطاقات الوطنية والقومية، ولهذا فإنه يمكن لنا اليوم فقط أن نتحدث عن التنمية، ولكن من الهرج والمرج أن نتحدث في كونها تنمية مستدامة، لأننا ربطنا مصيرنا بالنفط ولا شيء غير النفط، وهذا ما يمثل كارثة من كوارث العرب الطبيعية تضاف إلى كوارثهم التاريخية.
المسألة باتت صعبة للغاية ومعقدة أيضاً؛ فالعرب لم يطوروا من أنفسهم ومن قدراتهم طيلة قرن من الزمان، فهم امتلكوا حقول النفط لكنهم ليسوا من اكتشفوها، وحين عرفوا أن النفط يجري من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم استعانوا بالأجنبي كي يستخرجه من الأرض، وحين استخرجه من باطن الأرض قمنا ببيعه إياه بثمن بخس وبالدولار أيضاً، من أجل أن نركب سياراتهم ونلبس لباسهم ونستخدم أدواتهم وننحني لعطاءاتهم وننبهر بإنجازاتهم، حتى وجدنا أنفسنا في ذيل العالم، وحين ينتهي عصر النفط فسنجد أنفسنا خارج الزمن.
لا نعلم هل فات أوان أن يتدارك العرب هذه المصيبة العظمى، أم مازال أمامهم القليل من الضوء؟ هذا ما لا يمكن أن نتنبأ به على الإطلاق، وإن كان لا يوجد ما يدعو إلى التفاؤل في عصر الأجنبي الغازي، أما العرب فإما أن يكونوا أو لا يكونوا.