لأن التخطيط الصحيح معدوم، ولأن الرؤية الاستراتيجية في المشاريع غائبة، ولأن عملية المحاسبة الصارمة للتقصير وأصحابه غير موجودة أصلاً، ولأن التخبط والفشل لا تقابله عملية تقييم وقرارات تصحيحية، فإن جملة مثل «تقليل الخسائر .. إنجاز» تمر علينا بهدوء وكأنها ليست كارثة بحد ذاتها.
منذ متى أصبح «تقليل الخسائر» إنجازاً! وطبعاً سيرد علي فقهاء الاقتصاد وخبراء الاستثمار بأن هذا مصطلح مستخدم لوصف حالة تعاف لوضعية شركة أو قطاع متعثر اعتاد على الخسائر، وبالتالي تقليل نسبة الخسارة بحد ذاتها «إنجاز».
هذا كلام صحيح، لكن «يبلعه» أو «يفهمه» الاقتصاديون الذين يعيشون يومهم وسط الأرقام، وتزورهم في منامهم أحلام أو كوابيس بشأن المؤشرات والأسهم والأرقام، لكن بالنسبة للمواطن الذي بات هو أكبر دافع ضرائب لفشل كثير من السياسات وغياب التخطيط، فإن هذا الكلام «مأخوذ خيره»، فالفشل هو فشل، والخسارة هي خسارة.
الوصف هذا أطلق على وضعية شركة «طيران الخليج» باعتبار أن الخسائر قلت بنسبة كبيرة وهو بحد ذاته «إنجاز». وشخصياً سأعتبر ذلك إنجازاً باعتبار أن 50% من الهدر المالي الناتج عن كوارث إدارية قد اختفت. أتحدث بالأرقام ولا أفترض أي شيء آخر، فالأرقام المعلنة تشير لذلك.
الآن هناك فاصل «سجال» جديد سيبدأ بين النواب وبين «طيران الخليج» أو الحكومة باعتبارها شركة محسوبة عليها (وبالأصح ابتلشت بها الحكومة)، وذلك على خلفية رفض لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس فتح اعتماد إضافي في الموازنة بدعم الشركة بمبلغ 185 مليون دينار لإعادة الهيكلة.
ورغم أن المسألة لن تثير غباراً إلا في الصحافة والإعلام وجلسات المجلس، فإن المرسوم بقانون بشأن دعم طيران الخليج صدر العام الماضي وعليه فإن «الحسابة بتحسب» والشركة ستمضي للغرف من موازنة الدولة.
كل ما يحصل اليوم بشأن طيران الخليج ومساجلاتها مع النواب، ومحاولة إيجاد طرق لإنقاذها من جهة، وأموال لدعمها من جهة أخرى، والله يستر لربما «المارشال الخليجي» قد يكون محطة تمر عليها الناقلة أيضاً، أقول إن كل ما يحصل اليوم هو بسبب رؤية خاطئة منذ البداية، لكن تركه هكذا دون تصحيح، كل ذلك سببه أننا اعتدنا في هذا البلد حينما نرى الأمور تسير بطريقة غير صحيحة ويديرها أشخاص بطريقة خاطئة لن نوقف ذلك ولا نحاسب الأشخاص بل نترك لهم العنان، ونمنحهم الفرصة تلو الأخرى ليجربوا حظهم مرات ومرات، وفي النهاية الأشخاص تنهى عقودهم ورصيدهم متخم في البنوك، أو يتقاعدون وحساباتهم فيها ملايين، والمتضرر الدولة واقتصادها الذي ستضطر بأن تدفع من عوائده لترقيع الخراب والخسائر.
لست ممن يريد أن تغلق الشركة أبوابها أو تخسر البحرين ناقلتها الوطنية، لكنني من الرافضين بأن يستمر التستر والترقيع للأخطاء، إذ حتى هذه اللحظة لا توجد مكاشفة وصراحة مع الناس بشأن ما عانت منه الشركة طوال سنوات، لا يوجد إقرار بوجود أخطاء ومصائب قام بها رؤساء تنفيذيون ومديرو وواضعو سياستها، هم السبب في كوننا نتحدث اليوم بأن تقليل الخسائر إنجاز، بدلاً من القول إن تحقيق العوائد هو الإنجاز.
أول خطوة على طريق التصحيح هي الاعتراف بالخطأ وبوجود المشكلة، وعلتنا المتأصلة في البحرين أننا لا نعترف بوجود الأخطاء، فكيف بالله عليكم يمكننا أن نصلحها؟!
من حقنا كشعب ولدينا نواب يفترض أن يتحدثوا باسمنا أن نعرف تاريخ عمل «الناقلة الوطنية» وما فعلته الإدارات المتعاقبة بالتفصيل في حق هذه الشركة وبالأخص الرؤساء التنفيذيون ممن وظف أقاربه وعشرات من مواطني بلده، وممن منح أناس رواتب خيالية مقارنة بمؤهلاتهم، وممن قام بصفقات عليها علامات استفهام، من حقنا معرفة ذلك وبكل وضوح وصراحة، أقلها حتى نتقبل بعدها فكرة إمداد الشركة بالملايين تلو الملايين لإنقاذها، والأهم حتى نبلع الجملة القائلة بأن تقليل الخسائر إنجاز!
تقليل الخسائر ليست إنجازاً، بل خطوة لترقيع فساد واستهتار وإهمال سنوات، وحينما تنهي الخسائر وتحقق الربحية فهنا يمكننا وصف ذلك بـ»الإنجاز»!
{{ article.visit_count }}
منذ متى أصبح «تقليل الخسائر» إنجازاً! وطبعاً سيرد علي فقهاء الاقتصاد وخبراء الاستثمار بأن هذا مصطلح مستخدم لوصف حالة تعاف لوضعية شركة أو قطاع متعثر اعتاد على الخسائر، وبالتالي تقليل نسبة الخسارة بحد ذاتها «إنجاز».
هذا كلام صحيح، لكن «يبلعه» أو «يفهمه» الاقتصاديون الذين يعيشون يومهم وسط الأرقام، وتزورهم في منامهم أحلام أو كوابيس بشأن المؤشرات والأسهم والأرقام، لكن بالنسبة للمواطن الذي بات هو أكبر دافع ضرائب لفشل كثير من السياسات وغياب التخطيط، فإن هذا الكلام «مأخوذ خيره»، فالفشل هو فشل، والخسارة هي خسارة.
الوصف هذا أطلق على وضعية شركة «طيران الخليج» باعتبار أن الخسائر قلت بنسبة كبيرة وهو بحد ذاته «إنجاز». وشخصياً سأعتبر ذلك إنجازاً باعتبار أن 50% من الهدر المالي الناتج عن كوارث إدارية قد اختفت. أتحدث بالأرقام ولا أفترض أي شيء آخر، فالأرقام المعلنة تشير لذلك.
الآن هناك فاصل «سجال» جديد سيبدأ بين النواب وبين «طيران الخليج» أو الحكومة باعتبارها شركة محسوبة عليها (وبالأصح ابتلشت بها الحكومة)، وذلك على خلفية رفض لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس فتح اعتماد إضافي في الموازنة بدعم الشركة بمبلغ 185 مليون دينار لإعادة الهيكلة.
ورغم أن المسألة لن تثير غباراً إلا في الصحافة والإعلام وجلسات المجلس، فإن المرسوم بقانون بشأن دعم طيران الخليج صدر العام الماضي وعليه فإن «الحسابة بتحسب» والشركة ستمضي للغرف من موازنة الدولة.
كل ما يحصل اليوم بشأن طيران الخليج ومساجلاتها مع النواب، ومحاولة إيجاد طرق لإنقاذها من جهة، وأموال لدعمها من جهة أخرى، والله يستر لربما «المارشال الخليجي» قد يكون محطة تمر عليها الناقلة أيضاً، أقول إن كل ما يحصل اليوم هو بسبب رؤية خاطئة منذ البداية، لكن تركه هكذا دون تصحيح، كل ذلك سببه أننا اعتدنا في هذا البلد حينما نرى الأمور تسير بطريقة غير صحيحة ويديرها أشخاص بطريقة خاطئة لن نوقف ذلك ولا نحاسب الأشخاص بل نترك لهم العنان، ونمنحهم الفرصة تلو الأخرى ليجربوا حظهم مرات ومرات، وفي النهاية الأشخاص تنهى عقودهم ورصيدهم متخم في البنوك، أو يتقاعدون وحساباتهم فيها ملايين، والمتضرر الدولة واقتصادها الذي ستضطر بأن تدفع من عوائده لترقيع الخراب والخسائر.
لست ممن يريد أن تغلق الشركة أبوابها أو تخسر البحرين ناقلتها الوطنية، لكنني من الرافضين بأن يستمر التستر والترقيع للأخطاء، إذ حتى هذه اللحظة لا توجد مكاشفة وصراحة مع الناس بشأن ما عانت منه الشركة طوال سنوات، لا يوجد إقرار بوجود أخطاء ومصائب قام بها رؤساء تنفيذيون ومديرو وواضعو سياستها، هم السبب في كوننا نتحدث اليوم بأن تقليل الخسائر إنجاز، بدلاً من القول إن تحقيق العوائد هو الإنجاز.
أول خطوة على طريق التصحيح هي الاعتراف بالخطأ وبوجود المشكلة، وعلتنا المتأصلة في البحرين أننا لا نعترف بوجود الأخطاء، فكيف بالله عليكم يمكننا أن نصلحها؟!
من حقنا كشعب ولدينا نواب يفترض أن يتحدثوا باسمنا أن نعرف تاريخ عمل «الناقلة الوطنية» وما فعلته الإدارات المتعاقبة بالتفصيل في حق هذه الشركة وبالأخص الرؤساء التنفيذيون ممن وظف أقاربه وعشرات من مواطني بلده، وممن منح أناس رواتب خيالية مقارنة بمؤهلاتهم، وممن قام بصفقات عليها علامات استفهام، من حقنا معرفة ذلك وبكل وضوح وصراحة، أقلها حتى نتقبل بعدها فكرة إمداد الشركة بالملايين تلو الملايين لإنقاذها، والأهم حتى نبلع الجملة القائلة بأن تقليل الخسائر إنجاز!
تقليل الخسائر ليست إنجازاً، بل خطوة لترقيع فساد واستهتار وإهمال سنوات، وحينما تنهي الخسائر وتحقق الربحية فهنا يمكننا وصف ذلك بـ»الإنجاز»!