في 17 ديسمبر 2001 ذكر تانج جيا شوان وزير خارجية الصين الأسبق في مقابلة مع جريدة الشعب اليومية، إن الصورة العامة للموقف الدولي هي ولفترة قادمة ستكون سلاماً عاماً وحروباً محلية، استرخاء عاماً وتوتراً محلياً، استقراراً عاماً، واضطرابات محلية «وإن قضايا الأمن الدولي ستتجه نحو التنوع».
هذا التقييم الذي تحدث عنه وزير خارجية الصين عام 2001 بعد حادث 11 سبتمبر 2001 كان وما زال قائماً بوجه عام، وإلقاء نظرة على الأوضاع الدولية والإقليمية عام 2013، أي بعد مضي 12 عاماً على ما ذكره الوزير الصيني الأسبق نجد أن الصورة تكاد تكون مطابقة، فالولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين أو روسيا أو اليابان أو الهند لا تتحدث أياً منها عن مواجهة فيما بينها، بل تحرص على الحديث عن السلام العالمي، والأمم المتحدة لا ترى أي تهديد للأمن والسلم الدوليين في إطار شامل، ولكن تراه نابعاً من الصراعات المحلية (الإقليمية).
الحدث الرئيس الذي أدى إلى هذا التقييم هو حادث 11 سبتمبر 2001، كذلك ما سبقه أحداث خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وبخاصة انهيار الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية، التغير في الصين نحو مفهوم التنمية كأساس للأمن الوطني، والتغيير في المفهوم الأمريكي نحو صراع الحضارات، وأداته الرئيسة هي نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومراكز الصراع، أو بالأحرى ميدان الصراع هو الشرق الأوسط العربي والإسلامي، وهدف المعركة هو «الإسلام والمسلمين» ولو تعمقنا في تحليل هذه الصورة فسنجدها تأكيداً لمفهوم صامويل هانتجنتون عن «صراع الحضارات» رغم معارضة كثيرين لهذا الطرح عندما نشر في أواخر القرن العشرين وبالتحديد في مقاله الفورين افيرز في عام 1989م، ثم نشره بعد ذلك في كتابه المشهور بعد تطوير مفاهيمه وقد ترجم إلى معظم لغات العالم بما في ذلك اللغة العربية.
ورغم الضجة التي أثارتها الدول العربية والإسلامية ضد هذا المفهوم، ولكنها ضجة كما تقول مسرحية شكسبير «ضجة بلا طائل»، أو كما تقول الأدبيات العربية «إن العرب، ويمتد ذلك للمسلمين، هم ظاهرة صوتية»، أو كما قال الشاعر العربي «أسد علّي وفي الحروب نعامة»، انظر إلى الوضع في سوريا تجد الجيش السوري، الذي لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل على مدى أربعين عاماً، وجه طائراته ومدافعه ودباباته ضد الشعب السوري الأعزل المفترض أن يقوم بحمايته والدفاع عن أراضيه.
والشعار للحرب هو «الديمقراطية والإسلام مقابل السيادة الوطنية»، الموقف في مصر مضمونه مماثل رغم قلب الشعارات وتبادل المواقف والأدوار، فالقوى الإخوانية التي تحمل اسم الإسلام تنشر الإرهاب في سيناء هل هذا تعبير عن الإسلام المتسامح الداعي للسلام والاعتدال وعدم حب السلطة والتنافس من أجلها. إنها ترفع شعارات الجهاد ضد إسرائيل، في نفس الوقت يتوسط الرئيس الدكتور مرسي لعمل هدنة بين حماس الإخوانية وبين إسرائيل، ولم توجه طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ ذلك الحين ولم يعتصم ويتظاهر فلسطينيو حماس ضد إسرائيل ولم يحفروا أنفاقاً في الأرض الإسرائيلية، بل في أرض مصر، وأكثر من ذلك أن أحد قياديي الإخوانية المصرية أعلن على الملأ أن جيش مصر هو أخطر عليهم من جيش إسرائيل وطالب أعوانه بقتال الجيش المصري ويرفعون شعارات غير ذلك. كما أعلن آخر على الملأ أنه إذا أعيد الرئيس مرسي للسلطة فسوف يتوقف العنف في سيناء علي الفور في لحظة واحدة.
وهكذا في كثير من الدول العربية وإلى حد ما الإسلامية، وسوف تلحق بهم دول مثل تركيا التي تقمع شعبها في ميدان تقسيم وغيره وتتحدث عن مؤامرة ضدها وهي تنتقد الموقف المصري ونفس الشيء في إيران وباكستان، أي باقي دول الشرق الأوسط الكبير، حيث يتنافس القادة ويتدافعون من أجل إرضاء العدو الأمريكي كما يقولون -وهم يتقاربون بقوة وينجذبون نحوه اليوم وفي نفس الوقت كانوا يطلقون عليه العدو أو الشيطان الأكبر سبحان الله.كيف يمكن تفسير ذلك؟!
هل هذه نظرية المؤامرة؟ نقول لا، ولكنها السياسة الدولية بمنظور علمي يقوم على السعي لتحقيق المصالح للقوى الكبرى دون حرب فيما بينها، بل إشعال الحروب المحلية، وفقاً لشعارات تتناسب مع أوضاع تلك الدول الإقليمية، ومصالح القوى الكبرى. ولذلك تبدو الصورة أحياناً أنها عودة ولو جزئية لمفهوم الأمن الدولي، الذي ساد في فترة الحرب الباردة، والحقيقة غير ذلك.
فالدول الكبرى جميعاً تتحدث وتغذي الصراعات المحلية ولا تتنافس أو تتحارب فيما بينها، بل تركز على التعاون الدولي والتفاعل الدولي والحرب الراهنة وقودها الدول النامية، وعلى وجه الخصوص الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط الكبير، وفقاً لنظرية الفوضى الخلاقة (الهدامة) التي استهدفت تمييع الهوية القومية لدول المنطقة من أجل مفهوم هلامي نظري يستثير المشاعر الشعبية دون مضمون حقيقي، أو إثبات تاريخي على صحته، وهو مفهوم الديمقراطية العالمية، أو حقوق الإنسان العالمية، أو الأمة الإسلامية الشاملة، لا يهم أي من تلك المصطلحات ما دام الهدف واحداً وهو تدمير العرب والاستيلاء على ثرواتهم والهيمنة على أراضيهم وبلادهم بوسائل متعددة ومبتكرة.
والهدف الرئيس لتحقيق ذلك هو الهجوم ضد الدولة الوطنية وسيادتها أما الأدوات فهي اللاعبون من غير الدول الكبرى. هذه الرؤية كتبت عنها مراكز الأبحاث الدولية وخاصة الأمريكية، ونشرتها مراكز نشر الديمقراطية، وأجهزة الاستخبارات الدولية ما هي الدلالة الواضحة لهذه الظاهرة؟ هي أنها دليل على التخلف الفكري والعلمي للدول العربية الإسلامية مقابل تقدم البحوث العلمية والسياسية والاستراتيجية لدى الدول الكبرى.
إن الأرضية للمعركة خصبة بل بالغة الخصوبة في تحقيق الهدف الرئيس من الصراع المحلي والإقليمي بين الدول وداخل كل دولة بين أبنائها الذين يقتل بعضهم بعضاً باسم الدين أو الطائفة أو الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان ونحو ذلك من الشعارات يتقاتل اليمنيون بين السلفية والحوثيين وهم إخوة وفي تونس وفي مصر وفي العراق وغيرها. هذا في الوقت الذي يعلن الروس والأمريكان والصينيون والشرق والغرب انتهاء الحروب بينهم.
{{ article.visit_count }}
هذا التقييم الذي تحدث عنه وزير خارجية الصين عام 2001 بعد حادث 11 سبتمبر 2001 كان وما زال قائماً بوجه عام، وإلقاء نظرة على الأوضاع الدولية والإقليمية عام 2013، أي بعد مضي 12 عاماً على ما ذكره الوزير الصيني الأسبق نجد أن الصورة تكاد تكون مطابقة، فالولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين أو روسيا أو اليابان أو الهند لا تتحدث أياً منها عن مواجهة فيما بينها، بل تحرص على الحديث عن السلام العالمي، والأمم المتحدة لا ترى أي تهديد للأمن والسلم الدوليين في إطار شامل، ولكن تراه نابعاً من الصراعات المحلية (الإقليمية).
الحدث الرئيس الذي أدى إلى هذا التقييم هو حادث 11 سبتمبر 2001، كذلك ما سبقه أحداث خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وبخاصة انهيار الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية، التغير في الصين نحو مفهوم التنمية كأساس للأمن الوطني، والتغيير في المفهوم الأمريكي نحو صراع الحضارات، وأداته الرئيسة هي نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومراكز الصراع، أو بالأحرى ميدان الصراع هو الشرق الأوسط العربي والإسلامي، وهدف المعركة هو «الإسلام والمسلمين» ولو تعمقنا في تحليل هذه الصورة فسنجدها تأكيداً لمفهوم صامويل هانتجنتون عن «صراع الحضارات» رغم معارضة كثيرين لهذا الطرح عندما نشر في أواخر القرن العشرين وبالتحديد في مقاله الفورين افيرز في عام 1989م، ثم نشره بعد ذلك في كتابه المشهور بعد تطوير مفاهيمه وقد ترجم إلى معظم لغات العالم بما في ذلك اللغة العربية.
ورغم الضجة التي أثارتها الدول العربية والإسلامية ضد هذا المفهوم، ولكنها ضجة كما تقول مسرحية شكسبير «ضجة بلا طائل»، أو كما تقول الأدبيات العربية «إن العرب، ويمتد ذلك للمسلمين، هم ظاهرة صوتية»، أو كما قال الشاعر العربي «أسد علّي وفي الحروب نعامة»، انظر إلى الوضع في سوريا تجد الجيش السوري، الذي لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل على مدى أربعين عاماً، وجه طائراته ومدافعه ودباباته ضد الشعب السوري الأعزل المفترض أن يقوم بحمايته والدفاع عن أراضيه.
والشعار للحرب هو «الديمقراطية والإسلام مقابل السيادة الوطنية»، الموقف في مصر مضمونه مماثل رغم قلب الشعارات وتبادل المواقف والأدوار، فالقوى الإخوانية التي تحمل اسم الإسلام تنشر الإرهاب في سيناء هل هذا تعبير عن الإسلام المتسامح الداعي للسلام والاعتدال وعدم حب السلطة والتنافس من أجلها. إنها ترفع شعارات الجهاد ضد إسرائيل، في نفس الوقت يتوسط الرئيس الدكتور مرسي لعمل هدنة بين حماس الإخوانية وبين إسرائيل، ولم توجه طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ ذلك الحين ولم يعتصم ويتظاهر فلسطينيو حماس ضد إسرائيل ولم يحفروا أنفاقاً في الأرض الإسرائيلية، بل في أرض مصر، وأكثر من ذلك أن أحد قياديي الإخوانية المصرية أعلن على الملأ أن جيش مصر هو أخطر عليهم من جيش إسرائيل وطالب أعوانه بقتال الجيش المصري ويرفعون شعارات غير ذلك. كما أعلن آخر على الملأ أنه إذا أعيد الرئيس مرسي للسلطة فسوف يتوقف العنف في سيناء علي الفور في لحظة واحدة.
وهكذا في كثير من الدول العربية وإلى حد ما الإسلامية، وسوف تلحق بهم دول مثل تركيا التي تقمع شعبها في ميدان تقسيم وغيره وتتحدث عن مؤامرة ضدها وهي تنتقد الموقف المصري ونفس الشيء في إيران وباكستان، أي باقي دول الشرق الأوسط الكبير، حيث يتنافس القادة ويتدافعون من أجل إرضاء العدو الأمريكي كما يقولون -وهم يتقاربون بقوة وينجذبون نحوه اليوم وفي نفس الوقت كانوا يطلقون عليه العدو أو الشيطان الأكبر سبحان الله.كيف يمكن تفسير ذلك؟!
هل هذه نظرية المؤامرة؟ نقول لا، ولكنها السياسة الدولية بمنظور علمي يقوم على السعي لتحقيق المصالح للقوى الكبرى دون حرب فيما بينها، بل إشعال الحروب المحلية، وفقاً لشعارات تتناسب مع أوضاع تلك الدول الإقليمية، ومصالح القوى الكبرى. ولذلك تبدو الصورة أحياناً أنها عودة ولو جزئية لمفهوم الأمن الدولي، الذي ساد في فترة الحرب الباردة، والحقيقة غير ذلك.
فالدول الكبرى جميعاً تتحدث وتغذي الصراعات المحلية ولا تتنافس أو تتحارب فيما بينها، بل تركز على التعاون الدولي والتفاعل الدولي والحرب الراهنة وقودها الدول النامية، وعلى وجه الخصوص الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط الكبير، وفقاً لنظرية الفوضى الخلاقة (الهدامة) التي استهدفت تمييع الهوية القومية لدول المنطقة من أجل مفهوم هلامي نظري يستثير المشاعر الشعبية دون مضمون حقيقي، أو إثبات تاريخي على صحته، وهو مفهوم الديمقراطية العالمية، أو حقوق الإنسان العالمية، أو الأمة الإسلامية الشاملة، لا يهم أي من تلك المصطلحات ما دام الهدف واحداً وهو تدمير العرب والاستيلاء على ثرواتهم والهيمنة على أراضيهم وبلادهم بوسائل متعددة ومبتكرة.
والهدف الرئيس لتحقيق ذلك هو الهجوم ضد الدولة الوطنية وسيادتها أما الأدوات فهي اللاعبون من غير الدول الكبرى. هذه الرؤية كتبت عنها مراكز الأبحاث الدولية وخاصة الأمريكية، ونشرتها مراكز نشر الديمقراطية، وأجهزة الاستخبارات الدولية ما هي الدلالة الواضحة لهذه الظاهرة؟ هي أنها دليل على التخلف الفكري والعلمي للدول العربية الإسلامية مقابل تقدم البحوث العلمية والسياسية والاستراتيجية لدى الدول الكبرى.
إن الأرضية للمعركة خصبة بل بالغة الخصوبة في تحقيق الهدف الرئيس من الصراع المحلي والإقليمي بين الدول وداخل كل دولة بين أبنائها الذين يقتل بعضهم بعضاً باسم الدين أو الطائفة أو الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان ونحو ذلك من الشعارات يتقاتل اليمنيون بين السلفية والحوثيين وهم إخوة وفي تونس وفي مصر وفي العراق وغيرها. هذا في الوقت الذي يعلن الروس والأمريكان والصينيون والشرق والغرب انتهاء الحروب بينهم.