رغم قناعتي بأن الدولة «القوية» هي التي تحسم أمورها بـ «سرعة» و«حنكة» ولا تقبل بأن تكون رهينة لضغوط أو تداعيات طالما تعاملت من واقع سيادتها وهيبة قانونها، إلا أن وضعنا الفعلي مختلف للأسف؛ باعتبار أننا نريد «كسب» تأييد وتفهم كثير من الأطراف (سواء أكانوا مؤثرين أم لا) عبر بيان حقيقة ما يحصل في البحرين وعبر إثبات إنجازات المشروع الإصلاحي الموجودة أصلاً، وهي حقائق حاول ومازال الانقلابيون محوها ونسفها من الذاكرة ومن تاريخ هذا الوطن.
حينما تريد الوصول لهذه النتيجة، فإن أفضل أسلوب هو «الاستنزاف»، رغم ما له من تأثير سلبي حتى على الأطراف التي تؤيدك كونها تحس بالضرر بشكل مباشر ويومي وتريد في المقابل أفعالاً «سريعة» وقرارات «حاسمة».
وسط القلق وانتظار الحسم يسود الإحباط بالضرورة حينما لا تواكب الأفعال التطلعات، خصوصاً وإن كان المنطق يفرض نتائج معينة فتأتي النتائج على أرض الواقع مخالفة للمنطق، وكأن في المسألة لغزاً وسراً.
لكن هناك من يضع أمام عينيه «ثوابت» راسخة، مهما حصل فإنه لا يحيد عنها، وهذا ما أتحدث عنه هنا، وأعني به كثيراً من أبناء البحرين المخلصين، إذ الثابت الرئيس الذي يجب ترسيخه أمام كل شيء يتمثل بأن هذه البلد ليست ملكاً لانقلابيين، وأنها ليست دولة تباع في صفقات أو تفاهمات تأتي على حساب المخلصين الذين وقفوا دفاعاً عن ترابها وعن مستقبلهم فيها.
هذا ثابت أصيل يجب تعزيزه، فمن سيسمح أصلاً للبحرين أن تباع، ومن سيسمح أصلاً بأن يكافئ الانقلابي والخائن على انقلابه وخيانته وعلى حساب المخلصين للبلد؟! هناك فئات تراقب و«تمسك الجمر» لإدراكها بأن الوضع في البلد يماثل التوصيف الأول في الفقرة الأولى أعلاه، أي أن الحسم السريع والمباشر ليس المتوقع بقدر ما هي مسألة تدار بهدوء وعناية، بالتالي رد الفعل بحسب المحصلة.
عموماً، أحيي دائماً من هو محارب للإحباط، الواثق بأن أرضه لن تباع ولن تذهب إلا على جثث أهلها المخلصين ودمائهم، ومنهم صاحب تعليق على مقال أمس كتب فيه: «يا جماعة الخير تفاءلوا بالخير، أكل العنب حبة حبة والدولة تطبخهم على نار هادئة. نحن صبرنا ولا أحد في العالم صبر مثل شعب البحرين الشريف. من صبر نال ولا تستعجلوا فرب العالمين حافظنا وهو حافظ هذا البلد».
رغم أنها جملة لرفع المعنويات، إلا أنها تتضمن توصيفاً أراه واقعياً لما يحصل في الفترة الأخيرة، وهو ما تثبته ردات فعل المحرضين والانقلابيين وما يواجهها من إجراءات تقوم بها الدولة، كثير منها أصاب دعاة الانقلاب بحالة «هلوسة» ودفعهم للوقوع في كثير من الأخطاء الفاضحة.
إن كان علي سلمان قد ظن بأنه صنع من نفسه «تابو» لا يكسر فهو مخطئ تماماً، والدليل ما حصل أمس، فهو مثل أمام القانون بحكم القانون، وإن أرادت الدولة أن تذهب أبعد من ذلك فيمكنها، وهو يدرك ذلك تماماً.
المرزوق الذي قال بأن «القانون تحت قدمه» رأى تماماً كيف يكون القانون «فوق رأس» من يريد دوسه. والمسيرات التي سيرتها الوفاق واستصراخها وخوفها على «وليها الفقيه» عيسى قاسم لم تكن إلا إدراكاً بأن الدولة إن أرادت حسم الأمور فلن يعجزها شيء، فقط تطبيق القانون على من يفترض أنه مواطن لا يميزه عن الآخرين أي شيء.
كلها نقاط تجمع، ومراحل تمضي، خطابات التحريض، صرخات التهديد، المماطلة والتسويف في الحوار، الاستقواء بالخارج، ادعاءات كاذبة، وأخيراً متحف يراد به تحدي الدولة، والذي يمكن أن يقابله متحف أكبر منه يوثق جرائم الانقلاب وإرهاب المحرضين والمخربين مثلما كتبت الزميلة سوسن الشاعر بالأمس.
الوفاق تدرك ذلك تماماً، تدرك أن الدولة قادرة على تثبيت أمنها ومحاسبة كل متطاول على القانون، لكنها تدرك أيضاً بأنها صنعت شارعاً لا يعرف إلا لغة الكراهية والانتقام ويمارس صناعة الإرهاب، وإن تراجع سلمان عن وعوده وإن نكصت الوفاق فيما تدعي (وهي ستشارك في الانتخابات القادمة وسنذكركم) فإن من صنعتهم ودفعتهم لأقصى مستويات التطرف سيكونون أول من يوجه إرهابهم تجاه الوفاق ومن يعتاش على موتهم لأجل أجندته.
نعم، أكل العنب حبة حبة، لكن التعويل أن تكون حبات العنقود قد شارفت على الانتهاء!