مسابقة «الوطن» لجائزة المبدعين الشباب في مجال كتابة الرواية خلال 24 ساعة، كانت محطة أولى للدخول في تجربة الإبداع تحت الضغوط التي يعيشها الكاتب الشاب، وكيفية تحويل هذه الضغوط إلى نوع من أنواع الارتياح، وهو يدخل في أحد المجالات الصعبة ويتغلب على كل الصعوبات التي تواجهه، سواء النفسية عبر ضغط الوقت أو سوء البيئة الخارجية، والتي أعني بها أن المشاركين لم يكونوا واقعين تحت ضغط الوقت فقط، إنما أيضاً الضجيج المحيط بهم في وقت الكتابة، وهو ضجيج السيارات المتسابقة في حلبة البحرين الدولية، تلك التي لم تحسبها اللجنة المنظمة.العديد ممن التقينا بهم قالوا لنا كيف تقومون بمسابقة بين شباب لم تعرفوا مستواهم الثقافي أو الفكري والفني؟ وما هو الإبداع الذي من الممكن أن يقدموه؟أجبنا؛ أن الأساس في هذه المسابقة هو الإبداع تحت ضغط الوقت والتحدي، وأن المرور فقط بهذه التجربة غير المسبوقة، في البحرين والوطن العربي، هو وحده تجربة جديدة جديرة بأن يمر بها الشباب للتعرف على إمكانياتهم المعرفية والنفسية والإبداعية، بعضهم سيواصل الكتابة في هذا المجال أو في غيره من المجالات، والبعض الآخر قد يكتفي بهذه التجربة، لكن في كل الحالات فإن دخوله في مغامرة تحدي الذات سوف يحدث نقلة نوعية في حياته، ويحوله إلى شاب فاعل عارف كيفية التعامل مع الضغوطات الحياتية، وطبيعة الحلول التي قد يصل إليها وهو يعوم متحدياً الأمواج التي تحاصره والخوف الذي يقف على رأسه. وإذا كان الشباب من الجنسين دخلوا المسابقة لتجربة صياغة ما يحملون من رؤى وأحداث وتجارب حياتية، والعمل على وضعها في قالب روائي، حسب منظورهم، لهذا القالب وحسب قراءتهم لروايات مختلفة وحسب مشاهداتهم لأعمال روائية تلفزيونية، فإن جريدة «الوطن» البحرينية والقائمين على مشروع المسابقة، هم أيضاً استفادوا من هذه التجربة الغنية جداً، تجربة معايشة الشباب وهم يكتبون تجاربهم وأمالهم، ويبتكرون الشخصيات والأحداث، ويعيشون معها في حوار محموم من أجل الوصول إلى نهاية الحدث الذي دخلوا فيه، لا يملكون من الأدوات إلا حماسهم وشبابهم وحلمهم بكتابة تحاول أن تعبر عن شيء مما يريدون رؤيته في الواقع المعاش. إن طريقة الجلوس على الطاولة لمدة 24 ساعة من أجل كتابة شيء ما هو أيضاً دفعة للأمام، خصوصاً لكل من يمارس الكتابة الممتدة، وأكثر من مرة تحدثت مع المشاركين وقلت لهم إنه ليس المهم أن يفوز المشارك منهم على غيره في المسابقة، ولا التنافس معهم؛ إنما المهم أن ينافس المشارك ذاته ويحاول أن يكتب أجمل ما وصل إليه في هذه الفترة، وأن يتمتع بالكتابة، فإذا وصل الإنسان إلى لذة النص، كما يقول رولان بارت، فإن بعد ذلك لا شيء يهم، فلذة الكتابة وحدها متعة روحية لا يمكن أن يصل إليها إلا من مارس عملية الكتابة، والتي تتحول إلى محبة خالصة بين الكاتب والمكتوب، وعادة ما أقول أن لذة الكتابة أكثر جمالاً من المكتوب، أو نتاج الكتابة. إن الجائزة الحقيقية للمشاركين في جائزة «الوطن» للروائيين الشباب 18-30 اعتبرها جائزة الداخلين بقوة إلى مناخات الفعل الإبداعي المغايرة والمختلفة وغير المطروقة.وأقول إننا تعلمنا من هذه التجربة الكثير، سواء مشاركين أو لجنة منظمة، وعلينا أن نستفيد من هذه التجربة والانفتاح إلى العديد من التجارب، والتي تصب كلها في صالح الروح الشابة المنطلقة إلى الفعل في الحياة.