كل عام والأمة العربية والإسلامية بألف خير، ومع إطلالة السنة الهجرية الجديدة نتمنى جميعنا أن تُرفع هذه الغمة عن هذه الأمة، وأن يكون العام الهجري الجديد هو عام الوحدة والتلاحم بين أبناء المسلمين قاطبة.
مع إشراقة كل عام ميلادي جديد، كنا نتحدث عن أمنياتنا الحارة كمسلمين، متمنين أن يكون عام حب وصلاح وخير لكل إنسان يعيش على وجه هذه الأرض، لكن ولأننا لم نلمس أي تغيير واضح طيلة دعواتنا في بدايات الأعوام الميلادية، وربما لأننا مسلمون، فإننا وفي هذه المرة نطلب أن تتحقق أمنياتنا عبر عام هجري آخر، لا نعلم ما قد تخبئهُ لنا الأيام.. ولكن!
في كثير من الأحيان يكون طلب الأمنيات وتحقق الأحلام ضرب من المستحيل، خصوصاً حينما نعطل سنن الكون والحياة، وذلك بالتوقف عن العمل والمثابرة وبذل الكثير من التضحيات والكثير من التنازلات المشروعة في سبيل أن نرى الحلم واقعاً، وهذا الأمر العظيم لن يكون بالأمنيات والدعوات المجردة، بل يكون عبر العمل الجاد وإثبات ذواتنا في مواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالأُمتين العربية والإسلامية، وسواء كانت دعواتنا وأمنياتنا مع إطلالة العام الهجري أو حتى في منتصفه، وسواء دعونا وتمنينا ذلك مع بداية العام الهجري أو الميلادي، إلا أننا نؤمن بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يغيِرُ ما بِقَوْمٍ حتى يغيرُوا ما بِأَنفُسِهِمْ)، وما سوى ذلك فإنه يعتبر خرافات تضاف إلى كثير من الخرافات التي نؤمن بها.
الحلم ليس حراماً، والدعوات ليست مرفوضة، لكن الأجمل من الحلم المجرد والدعوات الباردة، هو أن يقترن كل منهما بالعمل والنضال في سبيل أن تتحقق المحبة والمودة والتآلف والأخوة والرحمة بين المسلمين جميعاً، فليست وحدها الأحلام كافية، فالواقع في كثير من الأحيان يكون أقوى من الحلم وكل الأمنيات، فنحن اليوم أمام مفترق طرق، كلها خطيرة للغاية، وبها ربما نكون أو لا نكون، فما نراه أمام أعيننا في عالمنا الإسلامي من كوارث إنسانية وصراعات طائفية ومذهبية، وكذلك ما نراه ونلمسه من فقر وجوع وحرمان وتخلف وجهل وأمراض وظلم وغياب واضح للعدالة والمساواة وغيرها من الأمراض الظلامية الشرسة، تجعلنا نفكر مليون مرة قبل أن ندعو الله تعالى بإزالة هذه الغمة، في أن نرتب أوضاعنا ونسير وفق عقائد وسنن الحياة التي أودعها الله سبحانه في هذا العالم السُفلي، وإلا سنظل نراوح في مكاننا حين نعتمد على الدعاء المجرد بعيداً عن العمل الذي هو مفتاح استجابة دعائنا وأحلامنا وأمنياتنا.
لأن العام الهجري هو عام المسلمين أكثر من غيرهم، ولأنهم على الأرض يعيشون في آخر الصف، ومن هذه المنطلقات الحساسة وَجَب عليهم أن يعيدوا صياغة واقعهم ونقد تجربتهم وثقافتهم، وأن يكثفوا من قراءة المستقبل وفق المعطيات التي بين أيديهم حتى لا تضيع الأعوام تلو الأعوام وهم يعيشون الصراع المتجدد بين الطموح والواقع، فالسنة الهجرية هي بداية العمل وليس بداية الحلم، وما دون ذلك تظل أوهاماً في أوهام.