من يتابع خطبة عيسى قاسم الأخيرة يمكنه أن يشعر جيداً حجم الإحباط الذي يعاني منه، وكان لافتاً في خطابه الديني ـ السياسي. فبعد أن اعتاد الجمهور على خطاب قاسم التحريضي المثير للمشاعر والعواطف كل جمعة، صار الخطاب أكثر هدوءاً، والأفكار تدور في دائرة مفرغة، مما يعكس عدم وضوح للأجندة، والدخول في مأزق نهاياته غير معروفة.
عيسى قاسم لم يكترث كثيراً بمصير المئات من البحرينيين الذين قلب حياتهم رأساً على عقب عندما ورطهم في الأنشطة الإرهابية وانتهوا وراء القضبان بحكم القانون، ودفع الآخرين إلى خسارة وظائفهم، والبعض الآخر إلى المعاناة من المقاطعة التجارية الإرادية التي حدثت في المجتمع بسبب الانقسام الطائفي الحاد، وحالات الكراهية المتنامية، وإزهاق الأرواح، والخسائر المادية للممتلكات العامة والخاصة.
كل هذا لم يكترث له قاسم، بل اكترث بالتركيز على أن هناك قضية مظلومية، وينبغي معالجتها، ليقدم مسوغات دينية بضرورة النضال من أجل نيل الحقوق ورفع الظلم!
ببساطة هذا هو حال عيسى قاسم اليوم، رغم أن الكثيرين ممن آمنوا بقدسيته لا ينظرون إليه هكذا، بل ينظرون إليه باعتباره (القائد الديني والسياسي المنزه عن الأخطاء والذي ينبغي طاعته طاعة مطلقة دون تفكير، لأن ما يقوله يغني عن التفكير، فما ينطق به هو الدين، وغيره لا يتجاوز الطين)!
أي نظرة موضوعية لخطاب عيسى قاسم ودوره، لن تتجاوز الإحباط، وعدم تحقيق أي مكتسبات أو إنجازات، منذ أن بدأ مشروعه لتأسيس ولاية الفقيه في البحرين قبل أكثر من 10 سنوات، لم يجنِ سوى الكراهية التي نشرها في المجتمع، وقاد جمهوره إلى المجهول، دون أن ينال ما يريد، أو يتيح للناس أن ينالوا ما يريدون، والخاسر الأول والأخير هو الجمهور نفسه.
نتفهم جيداً إحباط عيسى قاسم وشعوره بعدم تحقيق المنجزات، واستمرار خطابه كما هو دون تجديد ليؤكد المظلومية وأنه القادر على رفع هذه المظلومية بخطابه الديني ـ السياسي. ولكننا لا نعتقد أن هناك مبرر يدفع الجمهور إلى الاقتناع بجدوى خطاب بائس وممل ومكرر يصدر عن رجل دين ضل وأضل.
الجمهور يدرك جيداً أن هناك علماء دين أكثر علماً من قاسم في البحرين وليس خارجها، ولكن قاسم لن يتيح لهم المجال لكي يستحوذوا على الجمهور الذي يعتقد أنه بات ملكه، ومادام الجمهور ملكه فإنه يجب أن يكون عبداً له ولأفكاره سواءً اتفقت معه أم اختلفت، ومادمنا كلنا مسلمين فإننا عبيد الله، فإننا نقول دوماً «لبيك اللهم لبيك»، ومن كان عبداً لغيره فإنه سيقول: «لبيك قاسم»!