خريطة القوى العالمية اليوم ليست محصــورة فقــط في الولايات المتحدة الأمريكية، نقــول ذلك ونحن مدركين بأنه حتى الذين هللوا لما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أيام، هم أنفسهم من يدركون أن الرجل نفسه شن هجوماً دائماً ومستمراً على بشار الأسد والنظام السوري المدعوم من إيران ولم يصل لشيء حتى الآن، بل بات تداخل قوى عالمية أخرى كالصين وروسيا يعطل ما يريده الأمريكيون.نعم، أوباما يقول ما يقول، هم يهللون لجزئية مما يقول إن خدمتهم، لكنهم يقعون في شدة الإحراج حينما يدين هو ومسؤولو البيت الأبيض العنف في البحرين ورمي المولوتوف وقتل الشرطة، يصبحون في زاوية ضيقة، فهم لا يريدون «زعل» الأمريكيين الذين تصفهم إيران بـ«الشيطان الأكبر»، في الوقت نفسه من الجنون أن يغضبوا «مرجعيتهم» الدينيــة والسياسية.عموماً إن كان كلام أوباما يعني بالنسبة لهم «احتلالاً أمريكياً» للبحرين يقدم لهم الدولة على طبق من ذهب لتصبح على غرار العراق دويلات تتحكم بها إيران، فبالفعل هم يحلمون. خطوة أمريكية باتجاه معاداة البحرين تعني معاداة دول الخليج على رأسها السعودية، ونعرف تماماً أن اسم «السعودية» يسبب الصداع وكل أعراض الفوبيا لمن يراها العقبة الأولى أمام المطامع الإيرانية.عمومـاً، «آية الله» أوباما بالنسبة لهم، الهتاف له والحلف باسمه يمكن أن ينتهي في لحظة واحدة، ينتهي بكلمة واحدة يتحدث فيها الرئيس الأمريكي عن العلاقة مع الحليف البحرين مقر الأسطول الخامس وصاحب اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن، تنتهي بمجرد أن يقول كلمة لا تأتي على هواهم.عموماً، لندع رئيس الدولة الأقوى في تردده وعجزه في شأن سوريا، لندعه بكلمة يفرح من يريد اختطاف البحرين ومن بات حراكه محصوراً في مسيرات ومظاهرات ومهرجانات خطابة ليستخدمها إعلامياً ويظن أنه بها سيوهم العالم من جديد بأن هذا ما يريده الشعب البحريني.على الجهات المعنية أن تستخدم أقوى وثيقة تثبت طائفية هذا الحراك الانقلابي في البحرين، عليها أن تنشر الدلائل والوثائق والمشاهدات التي تتضمنها، وأعني بها تقرير لجنة تقصي الحقائق، هناك فصول وأجزاء وفقرات تشير لكل فعل طائفي تم ولكل إرهاب حصل، ولتهديد الطائفة السنية وترويع أفراد من الشيعة من قبل المعارضة الراديكالية، وحتى هناك ذكر لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، وإشارة صريحة لامتلاك السلطات الأمنية البحرينية لأدلة تؤكد الدعم الإيراني لم تكشف حرصاً على الأمن القومي، كل هذا موجود ولا يمكن نكرانه، وكل ما يمكنه طمسه فقط بالاعتماد على «غفلة» الأطراف الأخرى التي باتت تعتبر قضية الانقلاب مسألة منتهية، وأن مطامعهم لن تتحقق إلا باستعار نار حرب أهلية، بشأنها تفشل الوفاق ومن معها أشد الفشل.البحرين منذ محاولة الانقلاب في فبراير 2011 وهي تراجع علاقاتها وارتباطاتها مع القوى العالمية، وهذه مسألة جيدة ومن أبرز دروس الظرف التي مرت به البحرين، رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان دائماً ما كان يشير لأهمية التحالف مع الشرق باعتبار أن عقوداً طويلة من الاعتماد على العلاقات مع الغرب بالتحديد الأمريكيين والبريطانيين لم تخدم البحرين بشكل تام في ظل وجود أمور أضرتها، وكلنا يعرف المعايير المزدوجة التي تلعبها القوى العالمية بالتحديد الغربية في علاقاتها القائمة على المصلحة.الاتجـاه إلى الشرق مسألة ملحة، الصين لاعب قوي في الساحة العالمية، وبغض النظر عن السجال في موضـوع الشــأن الســوري إلا أن الأمريكيين واجهوا ولايزالون عقبة بسبب الصين وروسيا. زيارة جلالة الملك للدولة صاحبة ثانــي أقوى اقتصاد عالمي جاءت في وقتهــا، وتضمنت رسائل عديدة تصل للقوى الغربية قبل أي أحد آخر، ليست الدولة بعاجزة عن إيجاد بدائل أو التقليل من الاعتماد على علاقاتها مع الغرب، بل كل ذلك مرهون بخريطة التحالفات.حتى في جوانب التطوير. السعودية انتهجت نهجاً مثالياً منذ زمن بجلب خبرات يابانية وصينية وكورية، وانظروا لاقتصاد السعودية وريادة الأعمال التي تشهدها حالياً، ليست الحلول دائماً موجودة في البيت الأبيض ولا «ويستمنستر».القــــوى الانقلابيـــة إن أرادت خـــوض حـــرب «استنزاف» مع الدولة هي من سيخسر في النهاية، لأن طموحها أصلاً لا علاقة له بإصلاح أو ديمقراطية، بل بقلب نظام الحكم، وحتى يحصل هذا في البحرين ليس أمام الوفاق وجماعتها إلا حمل سلاح والاستعانة بالإيرانيين، مثلما شهق بنفسه وقالها خادم الولي الفقيه، ومثلما عرضت قناة العالم ذات مرة مجموعة تركض باتجاه ساحل سترة تنتظر سفينة حربية إيرانية من «وحي الخيال».