توافق معي أو ألغيك.. هذا هو ملخص الحال التي صار فيها البعض نتيجة ما مر علينا في السنوات الثلاث الأخيرة، هذا البعض الكثير وضع اليوم معياراً أساساً لقبول الآخرين أو رفضهم، فإن كان ما يقولونه مطابقاً لما يقوله ولا يختلف قيد أنملة عن تفكيره ورؤيته وقناعاته فعلى الرحب والسعة وقائلوه محترمون وعلى العين والرأس، أما إن كان ما يقولونه مخالفاً لما يقوله ويعتقده فمرفوض وقائلوه خونة ويستحقون الرجم! فمن لم يكن معنا فليس منا. هكذا صار حال البعض هنا في بلاد تكاد نسبة الأمية فيها أن تصل إلى صفر في المائة وتجاوز التعليم النظامي فيها المائة عام وتزخر بالخريجين والمثقفين!
عنــد بوابــة إحــدى الجمعيــات السياسيــة لفتني ذات مرة أنه تتوفر أربعة صناديق تحمل شعارات أربع صحف محلية، هذا يعني بكل بساطة أن الجمعية المعنية قد اتخذت موقفاً من الصحيفة الخامسة، حيث المنطق يستوجب اشتراك الجمعية في كل الصحف المحلية كي تعرف ما يدور في البلاد وترصده بدقة. اتخاذ موقف من واحدة من الصحف الخمس وإعلان ذلك بعدم وضع الصندوق الخاص بها مع الصناديق الأخرى عبارة عن درس سيئ تعلمه تلك الجمعية لأعضائها دون أن تنتبه ودون أن تنتبه أيضاً إلى أنها تعترف بأنها غير موضوعية وأنها ترحب فقط بالآراء التي تبجلها وتوافقها على تفكيرها.
تسأل فلاناً من المعنيين بالشأن المحلي والمتابعين لتطورات الأحداث في البلاد عما إذا كان قد قرأ المقال الفلاني أو الموضوع العلاني لفلان أو لعلان فتفاجأ بقوله إنه لا يقرأ لفلان ولا يتشرف بعلان! السؤال المنطقي هنا هو كيف لمثل هذا المتابع الذي لا يتردد عن تحليل الأحداث أن يكون موضوعياً في تحليلاته وهو يحرص على معرفة رأي طرف واحد فقط «يطربه»؟
تدخل في مناقشة مع أحدهم الذي تفترض أنه موضوعي وعاقل فتسأله إن قرأ مقال الكاتب الفلاني اليوم أو أمس فيفاجئك برد أقل ما يقال عنه إنه سخيف، حيث يقول لك وما المفيد الذي يمكن أن يكتبه فلان؟
هذا البعض الذي نتحدث عنه هنا يتعامل مع الرأي الآخر بطريقة قبول أو رفض «البضاعة» برمتها، فإن كان يعرف أنها متوافقة مع هواه قبلها وإن لم تكن رفضها من دون أن يعرف محتواها.
هذا خطأ كبير يقع فيه هذا البعض الذي منه جمعيات سياسية وسياسيون ومهتمون بالشأن المحلي، بل هو خطأ كبير لأن المنطق يفرض أن يكونوا على اطلاع كامل على كل ما يدور في الساحة من أحداث وكل ما يقال وينشر من كلام وإلا غابوا عن الموضوعية.
إلغاء الآخر ليس من ديدن السياسيين، ربما كان مقبولاً من الفنانين لأن الفنان بطبعه أناني وقد يكون نرجسياً فلا يرى إلا نفسه، لكنه بالتأكيد ليس مقبولاً من المشتغلين بالسياسة أو المنشغلين بها، خصوصاً في هذه المرحلة التي نمر بها والتي تتطلب الدقة وتتطلب القراءة الواعية لكل ما يجري وما يقال ويكتب.
الحديث هنا عن البعض وليس الكل، فهناك من يتابع الأمور بدقة ويقرأ كل ما يكتب في الصحف وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وما يكتب في الخارج عن البحرين وبأكثر من لغة، لهذا فإن حدث ودخلت في مناقشة مع أحد المنتمين لهؤلاء فإنك تجده أولاً قادراً على الإصغاء إلى ما تقول وقادراً ثانياً على الاستشهاد بما كتبه «الجميع» عن تطورات الأحداث في البلاد.
ما ينبغي أن ينتبه إليه ذلك البعض والجمعيات السياسية هو أن قراءتهم الموضوعية لما يكتبه الآخرون قد تغنيهم من الوقوع في أخطاء جديدة أو في أخطاء سبق أن وقعوا فيها.