ليست الجاهلية ألا يعبد الإنسان خالقه فقط، والجاهلية لا تعني عبادة الأصنام والأوثان وكفى، بل للجاهلية معانٍ كثيرة وكبيرة وممتدة وواسعة؛ إذ من الممكن جداً أن تعبد الله تعالى لكن يظل كل سلوكك جاهلياً، فالجاهلية ليست حقبة زمنية انقضت مع التاريخ، بل هي ثقافة وأسلوب حياة.
حين تتمثل سلوكيات الإنسان الذي انغمس في العصر الجاهلي فيك؛ فأنت جاهلي، فكل ما مارسه إنسان ذلك العصر المخزي من ممارسات قبيحة لا يمكن أن يأتي بها شخص متحضر أو متعلم يعيش معنا اليوم، وإن أتى بها فهو إنسان جاهلي.
جاء الإسلام بمبادئ صادمة للواقع الجاهلي، فحارب التمييز والعنصرية والقبلية والدكتاتورية والصنمية، واحترم الإنسان وقدَّس المرأة وحقوقها، فمنع وأدها، وقال إنه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.
اليوم يفعل المسلمون خلاف ذلك، وكأنهم دخلوا في الإسلام لكنهم لم يخرجوا من الجاهلية، فقدسوا الطوائف واحترموا المذاهب أكثر من الإنسان، ولهذا فإنهم أحيوا الجاهلية بدثار إسلامي، حتى اختلط الإسلام بالجهل، ومن هذا المنطلق لا يمكن أن تقوم لنا قائمة، خصوصاً حين نقتل الإنسان على الهوية.
نساء يتعرضن في مجتمعاتنا الإسلامية لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد، وأطفال المسلمين يفتشون في مزابلنا عن كسرة خبز لهم، وآباء وأمهات يرمون في دور العجزة، هذا ناهيك عن التخلف والجهل ومحاربة العلم والتطور، أما في حال الاختلاف فإن السيف والذبح والمفخخات والقنص وسفك الدماء وتقطيع الأوصال والنحر هي النتيجة.
بعد هذا الوضع المزري للمسلمين اليوم نأتي لندرس أطفالنا قيم الإسلام، وكيف حارب الأوائل خرافات الجاهلية، وكأننا نعيش قريبين من الدولة المدنية والحضارية.
فتاوى مجنونة، وقتل مجنون، ودماء كالأنهار تسيل بالمجان، ثم نقوم بطباعة «بروشورات» باردة نوزعها على الأجانب في محاولة لإقناعهم بالدخول في الإسلام!
أي إسلام تدعون إليه؟ هل هو إسلام الكراهية أم إسلام الموت وقطع الرؤوس؟ أم هو إسلام التخلف عن ركب العاملين من أبناء الحضارات الأخرى المعاصرة؟ أم هو إسلام تعذيب المرأة وإهانتها وتحقيرها وسرقة حقوقها؟ أم هو الإسلام الذي يعتني بالشكل الخارجي وبالقشور على حساب القيم العادلة والعمل الصالح؟
إسلامكم الأحمر الدموي الجاهلي هذا لا يقنع بقرة للدخول في الإسلام، فكيف يقنع شعوباً أخذت بالعلم والمعرفة والعدالة والمساواة والحرية منهجاً لها في كل شيء، ومن هنا فإما أن تتركوا جاهليتكم العمياء لتعدُّوا أنفسكم للدخول في الإسلام بطريقة صحيحة مرة أخرى، أو أن تكونوا دعاة للناس بالحق والخير والصلاح بغير ألسنتكم، فالدِّين المعاملة.