العائدون من الحج واحداً واحداً، وحملةً إثر حملة، ومجموعة تتبع أخرى. البعض عاد نظيفاً كرائحة الأرض بعد ابتعاد المطر، متألقاً كالأشجار بعد الخريف، مهيئة نفسها لاستقبال مياه الحياة، استعداداً لتشكيل الربيع، مهللين كأعظم ما يكون التهليل، مسبحين كأجمل التسبيح، مستغفرين كأنما لا شيء هناك غير الاستغفار، عائدين وبهم رغبة عارمة لنقل مشاعرهم الأكثر ارتفاعاً من الرهافة، وتجربتهم الروحية الغنية لكل من لم يعشها، كأنها تدعوهم وتدفعهم دفعاً لأداء هذه الفريضة الداعية إلى اغتسال الداخل.
الحجاج قادمون إلى إماكنهم القديمة، في وجوههم ترى المحبة الكونية، متناثرة في كل المجرات، بعد طواف الكعبة الذي ليس كمثله طواف في كل الديانات السماوية والأرضية، في الحج التقوا بكل المسلمين في العالم، التقوا بالأسود والأحمر والأصفر والأبيض، التقوا بكل اللغات المعروفة وغير المعروفة، التقوا بالكبار والشباب والعجائز والأطفال، التقوا بالصم والبكم والمشلولين.
العائدون من الحج بعد الاغتسال من أدران الماضي والتغلب على الشهوات الدنيوية، ومواجهة رمز الشيطان، كيف يمكن التعرف على ثراء التجربة التي مروا، والفريضة التي أدوا، والحياة التي عاشوا.
عن ماذا يتكلمون؟ وأي صداقات قد خلقوا؟ وأي روح رفعتهم إلى دخولها السرور والابتهاج؟ وماهية الغبطة التي دخلوها؟.
إن جاءك أحدهم وهو مازال يتذمر من الحملة التي عبرها ذهب الحج. إن جاءك متبرماً من عدم وجود اهتمام خاص من المسؤولين في هذه الحملة إلا بمن دفع أكثر من غيره، وإن الأكل كان ناقصاً أو قليلاً، أو الحقيبة التي أعطيت له صغيرة، إن جاءك محموماً بأن هناك الكثير من التعب والكثير من المرض وأن الشعائر مرهقة، إن قال كل ذلك، فاعلم أنه لم يستفد من الحج في تغيير حياته من الأسوأ إلى الأفضل، ولم يستطع هذا الحج أن ينظف داخله من التوافه اليومية والترهات الدنيوية.
الذاهب للحج إن لم يتغير في طباعه المختلفة ونظرته وأسلوب حياته، كأنه لم يذهب، فالحج هو من استطاع إليه سبيلاً، أي أنه نوع من أنواع الجهاد، فالجهاد بالتعب الذي يحتاج إليه الحاج للانتقال من مكان إلى آخر، والجهاد بإعادة النظر في الكثير من الممارسات التي كان يقوم بها قبل رحلة الحج، والجهاد بتغيير البرمجة القديمة والقناعات السابقة بقناعات جديدة منفتحة على كل العالم؛ ثقافات وتقاليد وعادات العالم المختلف.
هل عدت إلى وطنك وبيتك وأهلك فرحاً كالطفل في يوم العيد، يكاد نور وجهك أن يضيء ويغمر من يلتقي، ولسانك رطباً من ذكر الله وتسبيحه، شاكراً نعمة الله على كل شيء، أرضك التي تحيا، وزمانك الذي تعيش، وظيفتك التي تقتات، شاكراً الناس الذين عشت معهم، فرحاً بكل ما أعطاك الله؛ الجو الحار، البحر المائج، الظروف التي جعلت منك إنساناً طيباً، تقدم الخدمة للآخرين دون طلبهم، وتساعد المحتاجين إليك بدون منة، وتذهب في إيفاء حق الجار دون انتظار الشكر.
إن لم تفعل كل ذلك، إن لم تواصل كسر شيطانك الذي يوسوس في صدرك. فمهمتك التي ذهبت لم تكتمل، وحجك لم يستطع أن يغير الطرق المسدودة في خلاياك العضوية والنفسية والروحية، وبهذا تحتاج إلى حجة أخرى لتستحق أن يطلق عليك اسم «الحاج».
{{ article.visit_count }}
الحجاج قادمون إلى إماكنهم القديمة، في وجوههم ترى المحبة الكونية، متناثرة في كل المجرات، بعد طواف الكعبة الذي ليس كمثله طواف في كل الديانات السماوية والأرضية، في الحج التقوا بكل المسلمين في العالم، التقوا بالأسود والأحمر والأصفر والأبيض، التقوا بكل اللغات المعروفة وغير المعروفة، التقوا بالكبار والشباب والعجائز والأطفال، التقوا بالصم والبكم والمشلولين.
العائدون من الحج بعد الاغتسال من أدران الماضي والتغلب على الشهوات الدنيوية، ومواجهة رمز الشيطان، كيف يمكن التعرف على ثراء التجربة التي مروا، والفريضة التي أدوا، والحياة التي عاشوا.
عن ماذا يتكلمون؟ وأي صداقات قد خلقوا؟ وأي روح رفعتهم إلى دخولها السرور والابتهاج؟ وماهية الغبطة التي دخلوها؟.
إن جاءك أحدهم وهو مازال يتذمر من الحملة التي عبرها ذهب الحج. إن جاءك متبرماً من عدم وجود اهتمام خاص من المسؤولين في هذه الحملة إلا بمن دفع أكثر من غيره، وإن الأكل كان ناقصاً أو قليلاً، أو الحقيبة التي أعطيت له صغيرة، إن جاءك محموماً بأن هناك الكثير من التعب والكثير من المرض وأن الشعائر مرهقة، إن قال كل ذلك، فاعلم أنه لم يستفد من الحج في تغيير حياته من الأسوأ إلى الأفضل، ولم يستطع هذا الحج أن ينظف داخله من التوافه اليومية والترهات الدنيوية.
الذاهب للحج إن لم يتغير في طباعه المختلفة ونظرته وأسلوب حياته، كأنه لم يذهب، فالحج هو من استطاع إليه سبيلاً، أي أنه نوع من أنواع الجهاد، فالجهاد بالتعب الذي يحتاج إليه الحاج للانتقال من مكان إلى آخر، والجهاد بإعادة النظر في الكثير من الممارسات التي كان يقوم بها قبل رحلة الحج، والجهاد بتغيير البرمجة القديمة والقناعات السابقة بقناعات جديدة منفتحة على كل العالم؛ ثقافات وتقاليد وعادات العالم المختلف.
هل عدت إلى وطنك وبيتك وأهلك فرحاً كالطفل في يوم العيد، يكاد نور وجهك أن يضيء ويغمر من يلتقي، ولسانك رطباً من ذكر الله وتسبيحه، شاكراً نعمة الله على كل شيء، أرضك التي تحيا، وزمانك الذي تعيش، وظيفتك التي تقتات، شاكراً الناس الذين عشت معهم، فرحاً بكل ما أعطاك الله؛ الجو الحار، البحر المائج، الظروف التي جعلت منك إنساناً طيباً، تقدم الخدمة للآخرين دون طلبهم، وتساعد المحتاجين إليك بدون منة، وتذهب في إيفاء حق الجار دون انتظار الشكر.
إن لم تفعل كل ذلك، إن لم تواصل كسر شيطانك الذي يوسوس في صدرك. فمهمتك التي ذهبت لم تكتمل، وحجك لم يستطع أن يغير الطرق المسدودة في خلاياك العضوية والنفسية والروحية، وبهذا تحتاج إلى حجة أخرى لتستحق أن يطلق عليك اسم «الحاج».