يقول لي مواطن بالأمس بصوت مثقل: «بتنا لا نعرف أي أخبار نصدق، الأخبار الرسمية وكأنها تخفي وراءها أموراً لا تقال، ووسائل التواصل الاجتماعي فيها من الكذب والفبركة والإشاعات ومحاولات التأثير النفسي لاسيما على المخلصين».
أدرك ذلك تماماً وأدرك حساسية التوقيت، وللأسف شاب ذلك توصيل غير موفق على الصعيد الإعلامي لحقيقة ما يدور في ظل بروز بعض من يستغل الفرص ليضرب إسفيناً ساماً في نفسية المخلصين حتى يزعزع في نفوسهم حقيقة راسخة تتمثل في أن هذا البلد لن يذهب إلى مكان، وبالأخص المكان الذي كان يحلم به من سعى للانقلاب عليها.
إن كنا نتحدث عن الحوار الجديد الذي جاء بوصف «استكمال»، فإننا نتحدث عن سقف تمثيل أعلى لا سقف بعده ليتطلع إليه من يتطلع. ما نعنينه هنا -ويدركه تماماً من يريد إشاعة أجواء انكسار ويأس في نفوس المخلصين- بأن هذه هي المرة الثالثة، وكما يقول المثل فإن «الثالثة ثابتة»، وبالتالي الرهان ليس على ثبات موقف الوطنيين بل على صمود من يدعون أنهم يريدون حواراً ديمقراطياً يفترض فيه أن يحترموا ويقبلوا بالآراء المختلفة معهم، فهل يقدرون؟!
الإجابة تكمن في ردود فعلهم الاستباقية ومحاولتهم المستميتة في كل وسيلة تواصل إعلامي وصحفهم بأن يضعوا موقف الجهات الوطنية الأخرى ويشيعوا فيها جو الفرقة، رغم أنه حتى هذه المسألة إن نجحت فلن تغير الكثير لأن الثوابت موجودة ولن تتنازل عنها الدولة؛ لأنها أصلاً حق أصيل للشعب المخلص الذي وقف ودافع عن بلاده ونظامه ولم يحرقها ويخربها بل حماها وذاد عنها بكل ما توافر أمامه.
جلالة الملك رأس الهرم في هذا البلد لن نقبل بالتطاول عليه، وعلى من يريد أن يخرج بمكسب من الحوار، أن يوقف عبث شارعه وإساءته لرمز البلد، كذلك الحال بالنسبة لصاحب السمو رئيس الوزراء والذي لن يقبل أيضاً التطاول عليه أو يكون عرضة للاستهداف من جماعات تدعي أنها تريد شراكة في الوطن. الميثاق ثابت أصيل وراسخ لا يجب إطلاقاً القفز عليه مثلما يريدون، والأهم أنه لا توافقات ستتم أو تقبل بمعزل عن الأطياف الوطنية المخلصة التي كثير منها سيدخل على مضض لأنه سيجلس في مقابل من يستهدف البلد ورموزه بشكل مستمر ويفترض أن يطبق عليه القانون.
وإن كنا اليوم أمام واقع يفرض نفسه وللأسف، فإن التعامل معه يجب أن يكون من منطلق تحمل المسؤولية من قبل من يمثلون صوت الشارع الوطني، أولاً يبدأ بوقف هذا التشرذم الحاصل بسبب الظن بأن الوضع مستتب في نتيجته النهائية، وهذه حسبة خاطئة تماماً. يبدأ بوقف هذه البيانات الصادرة على هيئة أخذ ورد فيها عتب و«تشره» وزعل، نتحدث عن وطن فنتفاجأ بمن يقول إنه زعلان من هذا وذاك! صلوا على النبي يا جماعة.. البحرين أكبر من ذلك، وإن لم تقفوا موقف رجل واحد وتنسقوا الجهود فلا يقبل بعد ذلك صراخ وصياح. من يقف في الضفة المقابلة يستميت الآن ليخرج بشيء لمصلحته غير آبه بهجوم إخوانه الأعداء في الخارج.
مازالت المطالب موجودة بتطبيق القانون وتوصيات المجلس الوطني، وهي مطالب يجب أن تكون على الطاولة، من مارس الإرهاب ودعمه لا يقبل أن يمضي وكأنه لم يرتكب جرماً في حق الوطن، ولا ينبغي تركه ليفرض أجندته بينما من يفترض أن يناقشه ويفند ما يقول ويقدم مطالبه وأجندته بقوة يلهى بأمور أخرى.
لست متشائماً على الإطلاق، فمن رفع السقف يوماً للسماء ها هو مضطر أن ينزله اليوم وليس بمزاجه، ولا يغركم الحرب الإعلامية وسيل السباب والشتم في مواقع التواصل، كلها وسائل لضرب ثقة المخلصين الذين مارسوا حقهم في التعبير المتباين عن آرائهم بين متشائم ورافض ومتفائل ومراقب ينتظر نتيجة قد تكون سهلة التوقع في استنساخ لما حصل سابقاً، إذ هل يمكنهم ترك الصلف والتعنت والقبول بما يريده الآخر حتى يقبل بعض مما يطرحونه؟!
بيت القصيد هنا، أنه رغم التحفظات الشعبية، ورغم الثقة المهزوزة والمبررة بأن الحال لن يكون أفضل مما كان بالنسبة للحوار بناء على ما سبق، فإن القادم من الأيام سيثبت حقيقة من تحول في ليلة وضحاها من مسيء ومتطاول على النظام إلى مادح ومتغنٍّ باسمه، وهل بمقدوره أن يكون صادق النوايا ولو لمرة؟! شخصياً أشك.
هذه الثالثة، وإن آلت لطريق مسدود رغم كل محاولات الدولة لحلحلة الأمور ورغم الهم المتراكم في نفوس المخلصين، إن استهتروا بها فيفترض أن تكون «ثابتة»، وحينها لا عذر للدولة أولاً وقبل أي طرف آخر.
أخيراً.. للمخلصين نقول: أنتم صمام أمان هذا البلد، ورغم تشتت بعض المواقف ورغم خيبة موجودة من أداء من قال إنه صوت التجمع الضخم في الفاتح، فإنهم يدركون أن أي إعادة لما حصل ستعيد المخلصين معاً في لحظة واحدة، ولذلك هم يضربون ويحاولون زعزعة هذه الثقة.
على الدولة أن تعي ذلك، والأهم على المخلصين أن يدركوا أنهم مازالوا رقماً صعباً متى أراد أن يتدخل إن تأزمت الأمور.