أمس الأول كتبت في هذا المكان أطالب بإلحاق ديوان الرقابة المالية بمجلس النواب باعتبارهما- المجلس والديوان- سلطتين رقابيتين يجتمعان على رقابة ومحاسبة السلطة التنفيذية والشركات والهيئات العامة المرتبطة بها.
واليوم فإنني أعتذر من القراء، وأسحب مطالبتي هذه بشكل مؤقت وريثما يأتي مجلس نواب يمثل الشعب حقاً، ويعمل من أجل خدمة مصلحة هذا الشعب وليس التنافس على كسب ود الوزراء وخدمة مصالحهم - أي النواب- الخاصة.
هذا الكلام ليس من عندي، بل إنني استمعت إليه بالمعلومات والأمثلة من نائب حالي في ندوتين بمجالس المحرق، ومن نائب آخر في مقابلة صحفية نشرت قبل أسابيع، كرر فيها خيبة أمله من مجلس النواب الحالي، وتأكيده أنه لن يرشح نفسه في انتخابات العام الحالي.
أما دواعي كل هذا الإحباط من أعضاء مجلس النواب الحالي فتعود إلى الكيفية التي تعاملوا بها مع التقرير الأخير لديوان الرقابة المالية، والتي بدأت بزعيق وتصريحات نارية وتهديدات للوزراء بالويل والثبور، وخاصة الذين دأبوا على تكرار التجاوزات المالية، مع ذكر الإحالة للنيابة أكثر من مرة.
تقرير 2013 أحاله المجلس للجنة الشؤون المالية والاقتصادية التي عكفت على دراسته لمدة 3 أشهر على ما أظن، وقبل يومين قدمت اللجنة المذكورة تقريرها إلى المجلس متضمناً توصيات لطيفة ناعمة لا تجرح ولا تغني من جوع، بل تحافظ على علاقة المصالح الودية مع الوزارات وخاصة وزارات الخدمات.
التقرير المذكور، أوصى باستجواب وزير المالية «لعدم القيام بواجباته واختصاصاته التي أوجبها الدستور وقانون الموازنة العامة للدولة الأمر الذي أدى إلى تكرار المخالفات المالية الجسيمة في أعمال الوزارات والجهات الحكومية المختلفة والشركات التابعة للحكومة».
كما أوصى بتشكيل 3 لجان تحقيق مع 3 جهات هي وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني، وزارة الإسكان، والجهة الثالثة هي شركة البحرين لمطاحن الدقيق.
وغير ذلك فقد طالبت اللجنة المالية في تقريرها «بضرورة قيام النواب باستخدام الأدوات الرقابية المقررة بموجب الدستور واللائحة الداخلية للمجلس وذلك لمواجهة كل مسؤول أمام المجلس التشريعي بحكم موقعه الوزاري ومسؤوليته السياسية...». وهو ما يعني توجيه أسئلة لهؤلاء الوزراء عن المخالفات التي وردت في تقرير الرقابة المالية.
وشددت اللجنة على ضرورة استخدام ديوان الرقابة المالية الصلاحية المقررة له بموجب المادة (11) من قانون ديوان الرقابة بإحالة المخالفات التي تحقق من وقوعها وتوافرت لديه أدلة جدية على وجود جرائم جنائية تشكلها تلك المخالفات للنيابة العامة».
ومقابل هذه الضجة التي أحدثها مجلس النواب، وهذا الجهد الكبير والطويل الأمد الذي بذله، والذي تمخض عن استجواب وزير وتشكيل 3 لجان تحقيق، وحث الأعضاء على توجيه أسئلة، مقابل ذلك نجد أن وزارة البلديات أعلنت في اليوم الثاني لصدور تقرير الديوان عن تشكيل لجنة تحقيق وتحويل 4 من منتسبيها والذين يتحملون مسؤولية مخالفات الوزارة للنيابة العامة، مما يعني توجيه تهم لهم بالفساد.
أما الحكومة وهي الجهة التي وجه لها تقرير ديوان الرقابة المالية مسؤولية ارتكاب المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية فقد سبقت مجلس النواب كثيراً، وقررت في 2 ديسمبر 2013 (أي قبل شهر ونصف من صدور تقرير اللجنة المالية بمجلس النواب) بإنشاء لجنة تنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء «للتحقيق في موضوع المخالفات والتجاوزات التي وردت في تقرير ديوان الرقابة...».
وهي اللجنة التي استمرت تحقيقاتها حتى 14 يناير وانتهت إلى تقرير وجود (20) حالة شبهة فساد 8 منها في البلديات و7 في شركة ألبا و5 في كل من وزارة الأشغال وشركة مطاحن الدقيق، وزارة الإسكان، وغرفة البحرين لتسوية المنازعات، وشركة بابكو.
بالإضافة إلى (38) حالة أو جهة تتطلب تجاوزاتها إجراء تحقيق داخلي، (404) ملاحظات إدارية تتطلب اتخاذ إجراءات تصحيحية، وتتطلب تشكيل فرق عمل مختصة لمراجعة سلامة الردود ومدى مطابقتها لتوصيات ديوان الرقابة.
وهذه المقارنة بين ما انتهى إليه تقرير اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب وما انتهت إليه اللجنة التنسيقية بالسلطة التنفيذية المسؤولة عن هذه الانتهاكات، تبين لنا كيف أن التقرير الأول كان ناعماً ومحدوداً ولم يتحدث عن الفساد، في حين جاء الثاني أكثر شمولية وأكثر تحديداً في اتهامات الفساد، وأكثر قساوة على الجهات الحكومية.
مجلس نواب ناعم، وحكومة قاسية.. عجبي.
{{ article.visit_count }}
واليوم فإنني أعتذر من القراء، وأسحب مطالبتي هذه بشكل مؤقت وريثما يأتي مجلس نواب يمثل الشعب حقاً، ويعمل من أجل خدمة مصلحة هذا الشعب وليس التنافس على كسب ود الوزراء وخدمة مصالحهم - أي النواب- الخاصة.
هذا الكلام ليس من عندي، بل إنني استمعت إليه بالمعلومات والأمثلة من نائب حالي في ندوتين بمجالس المحرق، ومن نائب آخر في مقابلة صحفية نشرت قبل أسابيع، كرر فيها خيبة أمله من مجلس النواب الحالي، وتأكيده أنه لن يرشح نفسه في انتخابات العام الحالي.
أما دواعي كل هذا الإحباط من أعضاء مجلس النواب الحالي فتعود إلى الكيفية التي تعاملوا بها مع التقرير الأخير لديوان الرقابة المالية، والتي بدأت بزعيق وتصريحات نارية وتهديدات للوزراء بالويل والثبور، وخاصة الذين دأبوا على تكرار التجاوزات المالية، مع ذكر الإحالة للنيابة أكثر من مرة.
تقرير 2013 أحاله المجلس للجنة الشؤون المالية والاقتصادية التي عكفت على دراسته لمدة 3 أشهر على ما أظن، وقبل يومين قدمت اللجنة المذكورة تقريرها إلى المجلس متضمناً توصيات لطيفة ناعمة لا تجرح ولا تغني من جوع، بل تحافظ على علاقة المصالح الودية مع الوزارات وخاصة وزارات الخدمات.
التقرير المذكور، أوصى باستجواب وزير المالية «لعدم القيام بواجباته واختصاصاته التي أوجبها الدستور وقانون الموازنة العامة للدولة الأمر الذي أدى إلى تكرار المخالفات المالية الجسيمة في أعمال الوزارات والجهات الحكومية المختلفة والشركات التابعة للحكومة».
كما أوصى بتشكيل 3 لجان تحقيق مع 3 جهات هي وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني، وزارة الإسكان، والجهة الثالثة هي شركة البحرين لمطاحن الدقيق.
وغير ذلك فقد طالبت اللجنة المالية في تقريرها «بضرورة قيام النواب باستخدام الأدوات الرقابية المقررة بموجب الدستور واللائحة الداخلية للمجلس وذلك لمواجهة كل مسؤول أمام المجلس التشريعي بحكم موقعه الوزاري ومسؤوليته السياسية...». وهو ما يعني توجيه أسئلة لهؤلاء الوزراء عن المخالفات التي وردت في تقرير الرقابة المالية.
وشددت اللجنة على ضرورة استخدام ديوان الرقابة المالية الصلاحية المقررة له بموجب المادة (11) من قانون ديوان الرقابة بإحالة المخالفات التي تحقق من وقوعها وتوافرت لديه أدلة جدية على وجود جرائم جنائية تشكلها تلك المخالفات للنيابة العامة».
ومقابل هذه الضجة التي أحدثها مجلس النواب، وهذا الجهد الكبير والطويل الأمد الذي بذله، والذي تمخض عن استجواب وزير وتشكيل 3 لجان تحقيق، وحث الأعضاء على توجيه أسئلة، مقابل ذلك نجد أن وزارة البلديات أعلنت في اليوم الثاني لصدور تقرير الديوان عن تشكيل لجنة تحقيق وتحويل 4 من منتسبيها والذين يتحملون مسؤولية مخالفات الوزارة للنيابة العامة، مما يعني توجيه تهم لهم بالفساد.
أما الحكومة وهي الجهة التي وجه لها تقرير ديوان الرقابة المالية مسؤولية ارتكاب المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية فقد سبقت مجلس النواب كثيراً، وقررت في 2 ديسمبر 2013 (أي قبل شهر ونصف من صدور تقرير اللجنة المالية بمجلس النواب) بإنشاء لجنة تنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء «للتحقيق في موضوع المخالفات والتجاوزات التي وردت في تقرير ديوان الرقابة...».
وهي اللجنة التي استمرت تحقيقاتها حتى 14 يناير وانتهت إلى تقرير وجود (20) حالة شبهة فساد 8 منها في البلديات و7 في شركة ألبا و5 في كل من وزارة الأشغال وشركة مطاحن الدقيق، وزارة الإسكان، وغرفة البحرين لتسوية المنازعات، وشركة بابكو.
بالإضافة إلى (38) حالة أو جهة تتطلب تجاوزاتها إجراء تحقيق داخلي، (404) ملاحظات إدارية تتطلب اتخاذ إجراءات تصحيحية، وتتطلب تشكيل فرق عمل مختصة لمراجعة سلامة الردود ومدى مطابقتها لتوصيات ديوان الرقابة.
وهذه المقارنة بين ما انتهى إليه تقرير اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب وما انتهت إليه اللجنة التنسيقية بالسلطة التنفيذية المسؤولة عن هذه الانتهاكات، تبين لنا كيف أن التقرير الأول كان ناعماً ومحدوداً ولم يتحدث عن الفساد، في حين جاء الثاني أكثر شمولية وأكثر تحديداً في اتهامات الفساد، وأكثر قساوة على الجهات الحكومية.
مجلس نواب ناعم، وحكومة قاسية.. عجبي.