ليس ثمة شيء يبعث على الأسى، والإحباط أكثر مما نقرأ من تراشق التصريحات بين تجمع الوحدة من جهة وبين جمعية الأصالة من جهة أخرى.
الأصالة انشقت عن التجمع، أو خرجت، واليوم التجمع يقول للأصالة ليس لكم مكان على طاولة الحوار ما دمتم قد خرجتم من التجمع، وهنا دخلنا في لعبة تكسير عظام بعضنا وتفتيت المفتت.
دائماً ندعو إلى أن يكون لأهل البحرين تجمع واحد وجامع يعبر عنهم وعن همومهم ومواقفهم، وكنا نأمل ونتمنى أن يكون تجمع الفاتح، هو ذاك. وقد كان في بدايته يلامس شيئاً من الطموح، إلا أنه اليوم أصبح تجمعاً منزوع الدسم وأصبح صدى صوت، بسبب ضعف المواقف والأداء وعدم تعبيره عن هموم الناس والشارع.
اليوم وبعد ثلاثة أعوام على قيام التجمع، وبعد انفراط العقد، بدأت أيضاً تخرج أطراف قوية لها تأثير بالشارع، وليس هذا فحسب؛ بل بدأت تخرج تصريحات لكل طرف توجه النقد للآخر. بل إن التجمع قال إنه ليس للأصالة الحق في الجلوس على طاولة الحوار، وهذه مصيبة كبيرة، وتكسير للعظام، وتكسير للمواقف، وإضعاف للإرادة الجامعة لأهل البحرين، ويفرح بها من في قلبه مرض.
بعيداً عن هذا التراشق حول أحقية الأصالة في الجلوس على طاولة الحوار، فإن هناك مسألة أيضاً نتمناها من الأصالة إن كانت ستذهب منفردة، فنرجو منها أن تطرح ما يعبر عن أهل البحرين، وأن يكون لها مشروع، ونرجو منها أن تؤسس لموقع في «تويتر» أو «الانستغرام» لتتعرف على ماذا يريد الشارع من الجمعيات الوطنية، فقد خذلنا من خذل، وأصبح صوته مرتجفاً وضعيفاً، وكل ما يشغله هو أن يكون حائط صد دون أن يكون له مشروع.
على الضفة الأخرى؛ فإن حالة الدولة البحرينية أصبحت غامضة لنا، غامضة وغريبة، تارة تجعل الناس يسمون من يرهب ويقف خلف الإرهاب «إرهابيين»، وتارة تريد من أهل البحرين أن نسميهم «شركاء»، خصوصاً مع دعوات الحوار التي لم تتوقف.
هذا الانفصام في شخصية الدولة مزعج وينم عن تردد، وللحقيقة فإن الارهابيين هم من يتحكمون في وتيرة الأحداث، إذا ما أرادوا فعل شيء يستطيعون، وإذا ما أرادوا إحداث عمليات كبيرة تجعل الدولة تعزف على وتر الإرهاب، فإنهم يستطيعون، وإذا ما أرادوا أن يخفضوا الوتيرة والرتم استطاعوا وفتحوا المجال لما ستسفر عنه الأحداث.
لذلك، فإن وتيرة الأحداث والتصعيد لا تتحكم فيها الدولة والقانون وإنما الإرهابيون. من هنا فإن انتهاء الحوار الثاني جاء على خلفية عملية إرهابية كبيرة، جعلت الظلاميين يحجمون عن الحضور للحوار بعد أن اتخذت الدولة إجراءات، فالوتيرة هم الذين يتحكمون فيها، هم يريدون إرهاباً دون عقاب للإرهابي حتى يستمروا في الحوار.
اليوم، نريد أن نعرف؛ هل الإرهابيون أصبحوا شركاء على الطاولة وأخذوا صفة رسمية؟ أم أنهم إرهابيون خامدون، حتى تحدث عملية إرهابية نوعية لينسحبوا من الطاولة؟
نريد أن نفهم فقط؛ فقد التبس علينا الأمر، وتشابهت علينا البقر، رغم أنها صفراء لونها مقزز يشمئز منها الناظر.
نقول للدولة ماذا لو حدث إرهاب منظم كما هي عادة الجمعية الإرهابية في تواريخ محددة، هل ستكون هذه الجمعية إرهابية، أم شريكة في طاولة الحوار؟
ماذا لو حدثت عمليات نوعية في 14 و15 فبراير الجاري، كيف سيصبح حال من على الطاولة؟
والله لا نعلم إلى متى حالة الانفصام في شخصية الدولة، تارة نشعر أن الدولة تريد أن تشن حملة على الإرهاب، وتارة أخرى ليست بعيدة على الأولى زمنياً، نشعر أن الدولة تريد أن تتحاور مع من سمتهم بالأمس إرهابيين؟
الذين تم استدعاؤهم إلى النيابة العامة هل هم شركاء حوار أم هم محرضون كما في مضمون دعوة النيابة؟
التبس علينا الأمر، والله لا نعلم ماذا يجري؟ هل هؤلاء عند الدولة شركاء أم إنهم إرهابيون؟
ونحمد الله أن تصنيفهم لدى الناس لم يتغير، الناس يعرفون الإرهابي والخائن، والإرهابي والانقلابي، الذي يغدر ويطعن بالظهر لن يكون شريكاً يوما، لن يصبح وطنياً حتى إن لبس لبوس (شرعية الحوار) وتمت مصافحته وتم تقريبه.
من غدر بنا كمواطنين لن نضع أيادينا بيده، إن كانت الدولة تريد أن تفعل فلتفعل، ذلك شأنها وشأن من لا يتعلم الدروس..!