أدرك أن هناك كثيراً من الأولويات لــدى المواطن البحريني في جانب ولدى الدولة في جانب آخر، ولعل الأحداث التي شهدتها البحرين جعلت الأولويات ترتكز بشكل كبير على تثبيت دعائم الأمن وإعادة البلد لما كانت عليه وتأمين سلامتها ضد أية اضطرابات أو مخططات داخلية أو أية أجندات خارجية.لكن بموازاة هذه الأولويات هناك أولويات أخرى مهمة ترتبط بالمستقبل، إذ من غير المعقول المكوث في الماضي أو حتى المراوحة في المكان بالنسبة للحاضر بمعزل عن التطلع للمستقبل.المستقبل هو ما يمكنه أن يقود الناس لوضع أفضل أو أسوأ، هو ما يحكم على الدول بالاستمرار بما هي عليه من حراك وتطوير أو يحكم عليها بالجمود وثم الفشل.اليوم تحتــاج البحريـــن إلـــى تقديـــم المستقبل على كثير من الأمور، لا نقول انسوا الماضي واتركوا الأمور دون حسم، لكن الواجب أن تحسم كثير من الملفات العالقة وتحل كثير من الأوضاع التي تسهم في عدم استقرار البلد وانفلات الأمن فيها، بيد أن هذه العملية يجب أن تتم في ظل بدء عملية أكبر تتطلع لمستقبل البلد والأجيال القادمة.لدينا شريحة كبيرة من الشباب بــان واضحاً بأنهم طاقة ومكسب لهذا الوطن، لكن هذه الطاقة مشروطة، إذ حينما لا توجه التوجية الصحيح فإنها تتجه في الاتجاه الخاطئ بالضرورة، وحينما نعرف «الاتجاه الخاطئ» في شأن المفهوم الوطني فإنه ينحصر في العمل بطريقة لا تخدم الوطن، هكذا ببساطة.الأجيال الشابة هي من يعول عليها البناء للمستقبل، وهي من ستواصل أية مسيرة، سواء كانت مسيرة بناء أو مسيرة هدم، يعتمد ذلك على أساليب احتضانهم وتوجيههم ومشاركتهم في الرأي وصنع القرار ودفع طاقاتهم بالاتجاه الصحيح.لو أردنا التحدث في نظريات تطوير الشباب وتوجيه طاقاتهم لطال بنا المقام، لكن الأدبيات التي توضع سواء للتنظير أو الدراسة لا تكون ملامسة للواقع إلا إن كان لها تطبيق حقيقي على الأرض.نحن دائماً نتحدث في البحرين عن الشباب وضرورة الاستفادة من طاقاتهم، لدينا مجالس وهيئات رسمية وحتى جمعيات معنية بالشأن الشبابي، لكن السؤال هل فعالياتها وبرامجها تتطابق مع الواقع، وهل ما يتم فعله مسألة لملء فراغ أم للوصول لنتائج فاعلة وحقيقية، خاصة وأننا مازلنا نتحدث عن رؤية يفترض أنها ستحقق أهدافها في 2030 وبحسب المدى الزمني فإن تطبيقها لن يكون إلا عبر أبناء هذا الجيل من الشـباب.الدولة عليها أن تبني صفوفاً من الشباب، على مستوى القيادات والكفاءات الإدارية والعقول التطويرية، عليها فتح الباب ومنح فرص، نعم هناك خبرات موجودة وشخصيات لها باع مهني وإداري كبير، لا يعني ذلك إبعادهم عن المشهد وإنهاء عطائهم، لكن النجاعة بأن يكون لهذه الخبرات دور فاعل في ضمان امتداد العمل والتطوير عبر تهيئة شباب يحملون المسؤولية من بعدهم، بل الأهم أن يحملوها ويقوموا بتطويرها بشكل أفضل بناء على ما تقتضيه تطورات العصر ومتطلباته.مشكلتنا في البحرين كما نقول باللغة الدارجة «تكسير المجاديف»، تعودنا بأن الطاقات الشبابية تواجه بـ»الإحباط» و«تقليـــــل الشــــأن» و«الاستهانــــة» و«الاستخفاف» و«غلق الأبواب» فـــــــي وجهها، وهذا خطأ كبير يمارسه الكثيرون، فهم لا يقمعون الطاقات فقط، بل يستنهضون هذه الطاقات ويولدون فيها العدائية لما هو قديم وسابق، فبدلاً من تحولهم لسلاح مساند، يتحولون لسلاح معارض، وهنا الكارثة.هناك دول محيطة بدأت تستوعب أهمية المسألة، وسارعت لمواكبة عملية التطوير والتغيير حتى باختبار ودراسة التجارب المماثلة في الدول الغربية.السؤال: ما المشكلة من حصول ذلك في البحرين؟! الدولة تصرف الملايين على التعليم والتطوير والتدريب، هناك بعثات تمنح للشباب ليكملوا تعليمهم ويتلقوا العلم حول العالم، بالتالي كيف يمكن الاستفادة منهم لاحقاً؟! الفكرة ليســـت برجوعهـــم ودخولهـــم سلــك العمل والإحلال في أي وظيفة والسلام، بل عملية البحث عن المميزين ومن يمتلكون القدرات مسألة مهمة، البحث عمن يكونون مشروعاً لقادة مجتمع وقادة تغيير هي الفكرة في كل هذا الحراك.ما تحتاجه البحرين إضافة لأساسيات تثبيت دعائم الدولة هي هذه النظرة الإشرافية التي تنظر للمستقبل، والتي تدرك بأن النهوض بالبحرين واستمرار مسيرتها مرهون بتمازج الخبرات مع حماس الشباب المنضبط المتوافق مع طاقاتهم.اهتموا بالشباب وابحثوا عمن يمكن أن يصنعوا الفارق ويكونوا عماداً للتغيير وأدوات بناء للبحرين.