لا نجد من يمكن أن يخالفنا بالرأي عندما نقول إن التمدن الحضاري هو أحد مظاهر الترف الاجتماعي في أي مكان في العالم، لذلك تحرص حكومات الدول التي تطمح إلى أن تحقق نوعاً متميزاً من الرفاهية للشعب على تخصيص قسم كبير من ميزانيتها لمشاريع الطرقات ومد الجسور ووضع الأنظمة والقوانين التي تسهم وبشكل فعال في تنظيم حركة السير، والتي بالمقابل تحقق سعادة كبيرة للمواطنين والمقيمين على أرضها.
أي أن الدولة تسعى جاهدة بأن تقوم بإحدى واجباتها كاملة تجاه الشعب ضمن الإمكانات والوسائل المتوفرة لديها، دون أن يدفعها هذا إلى إضافة أي من الضرائب على كاهل المواطن، أو أنهم يقعدون صباحاً ليفاجؤوا بأن رغيف الخبز قد زاد سعره، والسبب أن شارعاً يتم تحديثه أو إشارة ضوئية يريدون تركيبها، علماً أن هذا الأمر يحدث تماماً في دول عادة ما أسمع الناس تضرب بها الأمثال من ناحية النظام، لكنهم لا يعلمون أن كل شيء مدفوع ثمنه، في الوقت الذي تقدم لنا هنا على طبق من فضة، ومع كل هذا ترى بعضاً -لأنه لا يجوز التعميم- من وجوه الناس بائسة، ولا تقدر ما يمكن أن تقوم به الدولة لإسعادهم. لذلك ما يثير الغضب والاستياء هو ما نلاحظه هذه الأيام في شوارع مملكتنا الحبيبة من تصرفات خاطئة وغير مقبولة لمخالفات أنظمة المرور، والتي اشتهرنا بها بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهم بذلك لا يدركون معنى الألوان الثلاثة للإشارة الضوئية.
أيعقل ما نصادفه يومياً على تقاطعات الطرق من زحمة وسوء تنظيم؟!
كيف لنا أن نصف أنفسنا بأننا شعب متحضر، وفي الوقت نفسه لا يمكننا أن نتعامل مع جهاز يعتبر من أبسط الأجهزة التي يمكن أن تمر علينا خلال يومنا؟!
فللأسف الشديد؛ بدل أن تعتبر الإشارة الضوئية وسيلة متقنة لتنظيم حركة السير والسيطرة على تدفق حركة المرور بشكل آمن باستخدام أضواء ملونة تبعاً لنظام متفق عليه عالمياً، فقد تحولت هذه الإشارة إلى عبء نفسي على كل من يحاول التوقف مقابلاً لها. فراكب السيارة بكل بساطة يمكن أن يسمح لنفسه بأن يقف في عرض الشارع، حتى ولو كان السير المقابل له لا يسير ومزدحماً! والأكثر من ذلك؛ فإذا أراد أن يستخدم شهامته ويبقى واقفاً في صفه كي لا يعيق حركة الخط المقابل له فتجده يسمع من السيارات التي خلفه معزوفة مبهمة من أصوات الأبواق تقول له بأن يتحرك بسيارته، رغم أنهم يدركون تماماً بأنه لا يمكنه السير، وأنه إذا تحرك هو ولحقته السيارات الباقية فسوف يقفلون التقاطع ويزيدون الأمر سوءاً.
فهل علينا أن نطالب وزارة الداخلية بأن تخصص رجلاً للمرور رغم تواجد الإشارات الضوئية؟ أو أن تخصص دوريات مدنية في الشوارع لضبط المخالفين؟
أو أنه لابد من إنشاء لجنة اسمها «أصدقاء المرور» يتطوعون لمساعدة رجال المرور في ضبط تجاوزات من يعرضون الناس وأنفسهم للموت بسبب رعونة سياقتهم للسيارات وعدم احترام الأنظمة والقوانين، وكم من الحوادث المؤلمة التي سمعنا عنها خلال السنوات الماضية بسبب ذلك.
فكل ما نقوم به من مخالفات لكي نثبت للجميع بأننا شعب عربي مختلف من جميع المقاييس، ولا يمكننا أن نلقي اللوم على الزوار بأنهم يتبعون أسلوباً سيئاً في السياقة، فأنتم أهل الدار وعليكم أن تكونوا القدوة الحسنة لكل زائر ومقيم.
لذلك يأتي قول شاعرنا الحكيم ليقول لنا:
استأن تظفر في أمورك كلها
وإذا عزمت على الهدى فتوكل
من لم يـتــئـــــــد في كل أمر
تخطــــاه التــــدارك والمنــال
تأن ولا تضق للأمــــر ذرعاً
فكم بالنجـاح يظفــر مــن تأنى