كل تصريحات المسؤولين في الإدارة الأمريكية لا تعنينا إن صحت أم تم نفيها، ما يعنينا هو ما يجري على أرض الواقع، وما جرى في البحرين هو أن الإدارة الأمريكية قدمت دعماً سياسياً كبيراً «لفصيل إرهابي» بلا مواربة وبلا جدل سفسطائي عقيم ينزع الصفة الإرهابية عن تلك الجماعة جدلاً يقلل من الأضرار التي لحقت بالمجتمع البحريني ومسته في أمنه واستقراره، وكانت الإدارة الأمريكية داعماً قوياً لهذا الفصيل مرتكبة بذلك الدعم ازدواجية وتناقضاً غير مفهوم ولا يتماشى مع المنطق والمبادئ والقيم التي تدعي أنها تدعمها.
الإدارة الأمريكية قدمت دعماً لهذا الفصيل الإرهابي على حساب أمن و استقرار مملكة البحرين، رغم أن البحرين دولة تعد وفقاً لجورج بوش الابن ووفقاً لأوباما -بعد إفاقته- حين زاره ولي العهد مؤخراً، نموذجية في طريق الإصلاح والديمقراطية، مما شكل صدمة كبيرة للمجتمع البحريني الذي كان يتوقع من الحليف الاستراتيجي أن يكون مسانداً لدعائم الدولة المدنية ومسانداً ومشجعاً للخيار الديمقراطي الذي انتهجته البحرين بطواعية وبتوافق شعبي صوت عليه المجتمع البحريني بنسبة 98،4 % ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً.
دعنا من ذلك.. الآن نرى بوادر ومؤشرات «لمراجعة» ذلك الموقف الأمريكي المساند والداعم لهذا الفصيل، وهي بوادر مشجعة لإعادة بناء الثقة بين المجتمع البحريني والإدارة الأمريكية، سواء تبدت تلك البوادر في خطاب أوباما لولي العهد أو نفيكم لتصريح الجنرال هيو إنما يصاحب تلك البوادر مسرحيات المؤتمرات الصحافية لمساعد المتحدث الرسمي لوزير الخارجية التي تركت الكرة الأرضية بمن عليها وتفرغت لتجيب عن ثلاثة أسئلة أسبوعية موجهة فقط عن جمعية الوفاق، الخلاصة أن مواقف العصا والجزرة بين دعمكم وعدم دعمكم للفصيل الإرهابي، فقدت رونقها وفعاليتها، وتهدم في الدقيقة ما تبنونه في أيام.
التجربة الديمقراطية البحرينية تجربة واعدة، كان بالإمكان تشكيل حلف استراتيجي حقيق بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الحلف الأمني البحريني الأمريكي، لو أن ذلك كان الهدف فعلاً هو دعم الديمقراطيات، حينها كان بالإمكان التركيز على تطوير المؤسسات والتشريعات وقيم الدولة المدنية وترك الحراك المحلي الداخلي هو الذي يحدد كيفية إدارة أصول تلك اللعبة بدلاً من انحياز الإدارة الأمريكية لفصيل دون عن الآخرين ضمن القوى السياسية المتصارعة في الدولة، ثم ترتكب الإدارة الأمريكية أكبر أخطائها وهي تختار فصيلاً طائفياً صرفاً، ليس شيعياً فقط إنما يدين لخامنئي بالولاء لتبني جداراً عازلاً لا بينها وبين المجتمع البحريني وينهي دورها الداعم للديمقراطية ليحولها لشريك إيراني ألد أعداء المنطقة، وبذلك بنت جدران العزلة التي أصبحت سميكة مما استدعى إعادة النظر في كون الولايات المتحدة الأمريكية حليفاً استراتيجياً للبحرين ولدول مجلس التعاون أيضاً، والجدير بالذكر أن موقف الإدارة الأمريكية من تأييدها للجماعات الراديكالية عزلها عن كل المجتمعات في دول الربيع العربي، مما يستدعي الآن جهداً كبيراً ثنائياً من جميع الأطراف لإزالة هذه الجدران ولا يمنع ذلك دول مجلس التعاون والدول العربية من تنويع مصادرها الدفاعية من الآن فصاعداً وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية كوكيل حصري للدفاع وللأمن وللاستقرار في المنطقة.
بالنسبة للبحرين تحديداً علينا ألا نندفع وراء تلك البوادر التي ظهرت وبينت بعض التراجعات عن سياسة دعم الجماعات الإرهابية، بل علينا أن ننتظر ونحذر من أي تراجع قد يكون تكتيكياً فحسب لا تراجعاً استراتيجياً.