آن لكِ أن تصغي بعد أن تحدثتِ طويلاً بمناسبة قرب انعقاد «حوار المنامة» وزيارة وزير الدفاع الأمريكي للبحرين هناك شرائح كبيرة من الشعب البحريني وأجزم أن مثلها أكثر ضمن المنطقة العربية تريد أن توصل هذه الرسالة «لحلفائنا الأمريكيين»، مما قد لا تسمعوه في اجتماع تزيد فيه كمية المجاملات عن الحد المطلوب، تلك العادة العربية التي أصبحت تضرنا كمصالح.
فاسمعوها اليوم من الصحافة: آن للولايات المتحدة الأمريكية أن تخصص زيارات المسؤولين القادمة للمنطقة للإصغاء بدلاً من الإملاء، فحلفاؤها لديهم الكثير ليقولوه حول سياسة هذه الإدارة الأمريكية التي تسببت في تقويض أمن المنطقة وتهديدها وخلق هوة من عدم الثقة لم توجد طوال تاريخ العلاقات العربية الأمريكية بشكل عام، والخليجية الأمريكية بشكل خاص.
أول الأمور التي يجب أن تستعدوا للإصغاء لها أن المنطقة ليست على استعداد أن تسمع المزيد عن الملف «النووي الإيراني» قبل أن تسمع أمريكا المزيد عن الملف «الامتداد الإيراني» الذي تم بمساعدتها، فهذا الملف أصبح يتفاقم بشكل يهدد أمن الدول العربية أكثر مما يهددها الملف النووي الذي قد يعني إسرائيل أكثر منا في الوقت الحالي، ومع ذلك كان الملف النووي هو محور زيارات المسؤولين الأمريكيين السابقين ويأخذ المساحة الأكبر من وقت الاجتماعات، ولم تكونوا تصغون جيداً لشكوى دول المنطقة من «الامتداد الإيراني» حتى سقطت العراق بالكامل بعد لبنان والآن سوريا وتم تهديد البحرين واليمن تم ذلك خلال السنوات الأخيرة فقط، ونحن نشكو وأمريكا لا تصغي... فمتى ستصغون؟
المفارقة أن للولايات المتحدة الأمريكية دوراً في هذا الامتداد مما يحول بينها وبين كونها «حليف» فكيف ستعالج أمريكا هذا التعقيد؟
لولا الدعم الأمريكي للجماعات الشيعية الراديكالية في العراق وسوريا ولبنان لما تمكنت إيران وتغلغلت وفي البحرين كادت أن تحكم الطوق، وكان للولايات المتحدة دور في مساعدة الامتداد الإيراني إما بدعمها أحصنة طروادة في تلك الدول وإما بالتغاضي المتعمد عن ذلك الامتداد في دول أخرى كما هو الحال في سوريا التي يعيث فيها الحرس الثوري وحزب الله فساداً وكلنا نعرف أن نفوذ هذين الجهازين في سوريا يتعدى أكثر ألف مرة من نفوذ كل الجماعات المتشددة السنية، فلا نسمع حديثاً عن ذلك في التصريحات الأمريكية حتى بشكل متوازٍ، فكيف نثق بكم؟.
وبدلاً من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية أوراق الملف النووي للحد من هذا الامتداد الإيراني كورقة العقوبات- استخدمت إيران أوراق هذا الملف لمزيد من التوسع فتحكمت هي في المشهد ووقفت الإدارة الأمريكية عاجزة بل وضعيفة ومترددة لا تصغي لما تقوله دول المنطقة، بل قدمت المزيد من المكافآت لإيران من أجل عيون الملف النووي، ألا تدرك الولايات المتحدة الأمريكية العقبات المستقبلية لهذه السياسة؟ هل ظنت أن دول المنطقة «شعوباً وأنظمة» ستقف تتفرج إلى ما لا نهاية وهي ترى هذا القضم يحيط بها من كل جانب وبمساعدة هذه الإدارة؟.
ثم زاد الطين بلة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية للجماعات الإسلامية على حساب الشعوب العربية لا على حساب الأنظمة العربية، وذلك عنصر جديد في الحسبة، فحكّمت السيستاني في الشعب العراقي المتعدد الأطياف وانحازت لإحدى الجماعات على حساب البقية فخرجت من العراق وتركته مطحوناً من حرب أهلية واقتتال، وأرادت أن تحكم الخامنئي في البحرين وحكّمت الإخوان في الشمال الأفريقي كله بدعمها ورعايتها لتلك الجماعات ومع الأسف تم ذلك بمساعدة الشقيقة قطر فأحدثت من الفوضى التي لم تكن خلاقة أبداً ما أحدثت.
اليوم يؤسفنا أن نقول لكم إنه ليست الأنظمة التي تشتكي بل هي الشعوب، من سياستكم التي تقود المنطقة على عكس مصالح هذه الشعوب ورغباتها، وكفانا حديثاً عن الحلول المحلية وأن أمريكا لا تتدخل ووو ..أصبح اللعب على المكشوف الآن.
اليوم الشعوب العربية تنتفض ضد هذه السياسة وتضع يدها في يد الأنظمة العربية لوقف هذا الامتداد بل ترى في أي نظام يمد يده لكم دون ضمانات كافية نظاماً خائناً للإرادة الشعبية، فالشعوب اليوم هي التي تحول بين عودة العلاقات العربية الأمريكية إلى سابق عهدها، بعد أن نالت الولايات المتحدة الأمريكية عداء الغالبية العظمى من الشعوب العربية بجدارة، إذ يشعر السنة والليبراليون والمرأة وأصحاب رؤوس الأموال بغدر الحليف الأمريكي ولا يثقون بها أبداً.
والمفارقة اليوم أنه بفضل الأدوات الديمقراطية التي وفرت للشعوب قدراً كبيراً من حرية التعبير ومن المساهمة في مواقع صنع القرار وظفت هذه الشرائح هذه الأدوات للضغط على الأنظمة للحيلولة بين عودة العلاقات الأمريكية العربية كسابق عهدها، في الصحف وفي السلطات التشريعية المنتخبة وفي الهيئات المدنية والمالية، كلها تتجه اليوم للابتعاد عما كان يسمى بالحليف الأمريكي، وقد سمعتم ما قالته الأنظمة في تصريحات متفرقة ورأيتم الاتجاه شرقاً كسياسة جديدة تلوح في الأفق المصري والسعودي والبحريني والسلسلة ستطول.
فعلى عكس الأنظمة التي ممكن أن تكتفي بالوعود البراقة، أو يبهرها رفع مستوى التمثيل الأمريكي في هذه الزيارات، فإنه من الصعب جداً إعادة الثقة اليوم بينكم وبين الشعوب العربية بعد أن تراكمت السياسات الحمقاء في المنطقة عند هذه الإدارة، وما أن تنتهي مدة هذه الإدارة إلا وقد قضت على البقية الباقية من تلك الثقة وذلك التحالف.