البعض يعبر عن ضيقه وعدم ارتياحه من المقالات التي أكتبها، خصوصاً فترة عاشوراء، ويرى أن فيها شيئاً من القسوة على عادات استمرت طويلاً وصارت في حكم الحق المكتسب؛ بل ربما صار حتى «ممنوعاً» الكلام فيها وإن كان من باب إبداء وجهة النظر والنصيحة.
هذا البعض يرى أيضاً أن طرح بعض الموضوعات قد يكون سبباً في تأليب فئة على فئة ومن ثم في توسيع الفجوة بينهما، باعتبار أن هذه الفترة التي تمر بها البلاد على وجه الخصوص تحتاج إلى معالجات مختلفة.
الفجوة لا تتسع بمقالاتي ومقالات الكاتبين في مختلف الصحف المحلية مهما كانت درجة حرارتها وملوحتها، إنما تتسع بفعل العناد والإصرار على المبالغة في الممارسات التي يعتقد أصحابها أنها يمكن أن تغيظ الحكومة، خصوصاً في مثل هذه المناسبة التي نعيشها هذه الأيام، حيث صار البعض يبتعد عن خطها وموضوعها ويغلب جانب الأحداث على سيرة الحسين عليه السلام، فهذا شرخ يشبه الشرخ الذي يحدث في زجاج السيارة الأمامي أو الخلفي لا يتوقف وتصليحه يكون صعباً.
الفجوة تتسع بسبب الخلط الحاصل في الأمور، فعاشوراء مناسبة لاستذكار ما جرى على الإمام الحسين في كربلاء ولبيان الدور الإنساني والرسالي المهم الذي قام به سبط الرســـول عليه الصلاة والسلام، وللاستفـــادة من سيرته العطرة في تطوير حياتنا، فهو قدوة ومثال، وليس مقبولاً أبداً اتخاذ هذه المناسبة وتجييرها لصالح وجهة نظر محددة وفكر يرمي إلى أمور لا علاقة لها بذكرى سيد الشهداء.
في عاشوراء وفي السنوات الأخيرة بشكل خاص تم استحداث خيمة يتم فيها توفير كتب وكتيبات ومنشورات وأفلام وأشرطة وأقراص مدمجة وصور وغيرها من أدوات إعلامية بغية بيان ونشر مظلومية آل البيت، وهو أمر طيب وجد استحساناً من الجميع، وصار الكثيرون يحرصون على زيارة هذه الخيمة التي يتحدث فيها أيضاً بعض المشايخ والقراء المتخصصين لتحقيق هذا الهدف الجميل.
لكن هذا الأمر الطيب والهدف الجميل صار يخلط اليوم بأمور لا علاقة لها بقضية الحسين، حيث يتم استغلال الخيمة لتوصيل رسائل أخرى وشحن البسطاء بغية الاستفادة منهم في «المعركة» المستمرة منذ ثلاث سنوات ولا يراد لها أن تنتهي. ففي الخيمة العاشورائية التي تم تدشينها يوم الأربعاء الماضي قام ائتلاف شباب فبراير بعرض فيلم عن «الدفاع المقدس ومراحله» عنوانه «من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»، وهو عنوان يتضح منه الهدف من عرض الفيلم وكيفية استغلال هذه المناسبة الدينية لخدمة أغراض أخرى لا علاقة لها بعاشوراء وذكرى الإمام الحسين.
المعرض نفسه احتوى صوراً لا علاقة لها بعاشوراء وإنما هي من واقع الصراع السياسي في البحرين، وهذا خلط أيضاً واستغلال للمناسبة وللخيمة بغير وجه حق.
ولأن الشهية انفتحت وصار المجال مفتوحاً لـ»الإبداع»ولم يعد للمعنيين بتنظيم العزاء القدرة على ضبط الأمور؛ لذلك زاد الخلط وزادت فرص استغلال مناسبة عاشوراء وتوظيفها لخدمة توجهات سياسية. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر إلصاق صور أشخاص محكومين في قضايا أمنية على الجدران في مناطق يمر بها العزاء وفي الفرجان، وطباعة صور «القادة» على بيوت الناس حتى من دون استئذانهم والحصول على موافقتهم، إضافة إلى توظيف أقوال الإمام الحسين لخدمة تلك الأهداف وليس لاستذكارها وبيان مظلومية الحسين ومواقفه.
نحن إذاً أمام مشهد خلط بين مناسبة عزيزة على نفوس المسلمين جميعاً وبين حراك اجتماعي سياسي يعتبره أصحابه «ثورة» تبيح لهم كل المحظورات كي تصل إلى النهاية وتنتصر. هذا الخلط وهذه الممارسات هي التي تزيد من الفجوة وتتسبب في زيادة الشرخ وليس ما يكتبه فلان أو علان للتنبيه وللإصلاح ما استطاعوا.