يبدو جلياً أن هناك قراراً بالاستفادة من مناسبة عاشوراء في شحن العامة وتوظيفها لخدمة الأهداف المرسومة لمــا صاروا يطلقون عليه اسم «ثــورة»، وربــط ما فيه الناس اليوم بما جرى على الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، واعتبار كلمة ثورة أساساً مشتركاً بين الحدثين، وهذا أمر يتحقق عبر استغلال العواطف التي تكون في عاشوراء في وضع يعين على هذا الربط، لهذا اعتبرت الأماكن التي تمر فيها المواكب الحسينية بمثابة لوحة يتم عليها رسم كل ما يساعد على الربط بين هذا وذاك، واعتبرت مواكب العزاء نفسها فرصة لرفع الشعارات ضد الدولة بعد ربطها بموقعة الطف ومحاولة الاستفادة من أقوال الإمام الحسين واعتبارها موجهة للداخل البحريني.
ما يحدث منذ اليوم الأول من شهر محرم هو محاولات واضحة للاستفادة من مناسبة عاشوراء لشحن أو إعادة شحن العامة بغية دفعهم إلى الصفوف الأمامية بعد الانتهاء من القيام بواجب العزاء، لذا يلاحظ كثرة التصريحات النارية ومحاولات نكء الجراح وطرح موضوعات سبق الحديث فيها، وليس هذا وقت إعادة طرحها، ما يؤكد فكرة استغلال هذه المناسبة الدينية لخدمة أهداف لها علاقة بأمور أخرى.
هنا مثال يوضح هذا الأمر؛ فقد قامت جمعية الوفاق في الأيام الأخيرة بإعادة طرح موضوع المحاصصة المفترضة في اقتسام المناصب والوظائف، وقامت بنقش عشرات بل مئات التغريدات التي تقول إن الدولة منحازة إلى أبنائها المنتمين إلى مذهب معين فتخصهم بالمناصب وتعطيهم الحصة الأكبر منها وأنها تحرم أبناءها من المنتمين إلى المذهب الآخر من ذلك، فلا يكون نصيبها من هذه «الغنيمة» إلا الفتات (الوفاق اعتبرت تغريدة لوزير الخارجية في حسابه على التويتر مبرراً الإعادة طرح هذا الموضوع، رأته مقنعاً لخدمة أهدافها لذا ركزت على نسب التوظيف في وزارة الخارجية وأعادت نشر كل ما نشرته من تغريدات عن تبوؤ هذا الطرف النسبة الأكبر من الوظائف العليا وتبوؤ الطرف الآخر نسبة أقل).
(90 % من المناصب لهم.. و10 % فقط لنا)؛ هذا هو ملخص الكلام الذي تسعى الوفاق إلى نشره والتركيز عليه بين فترة وأخرى لأسباب بعضها بات معلوماً والأخرى لا تزال عصية على العلم، وليس أفضل من مناسبة عاشوراء المليئة بالعواطف لتحريك العامة ضد الدولة.
لكن كل هذا لا قيمة له، فما الذي يهمني كمواطن أنتظر الخدمات من الدولة وتوفير ما يعينني على تحمل أعباء الحياة وضمان مستقبل عيالي إن كان المسؤول الفلاني أو العلاني شيعياً أو سنياً أو مسيحياً أو يهودياً أو حتى لا دينياً؟ المسؤول -خصوصاً من يمتلك القدرة على اتخاذ القرار والقدرة على التغيير- سواء كان على هذا الدين أو ذاك المذهب فهذا أمر يخصه هو وحده، لأنه هو من سيحاسب على إيمانه وأعماله، هي علاقة خاصة بينه وبين ربه لا تهمني كمواطن، بل لا يهمني أبداً إن دخل الجنة أو النار.
ما يهمني هو مدى قدرته على تحسين معيشتي كمواطن ومساعدتي على تحقيق ما أصبو إليه وما يضمن مستقبل عيالي، لذا لا يهمني إن احتل المنصب الفلاني أو العلاني هذا أم ذاك.
ترى ما الذي يستفيده المواطن الشيعي من الوزير الشيعي لو كان يعاني من نقص في الضمير ولا يسعى إلا إلى خدمة نفسه وعائلته والمحسوبين عليه؟ وما الذي يستفيده المواطن السني من الوزير السني لو كان على الشاكلة نفسها؟
هذا المعيار خاطئ من الأساس وطرحه واعتباره دليلاً على انحياز الدولة للمنتمين لمذهب دون آخر يحرض على التساؤل عن إعادة توقيت طرحه في هذا الوقت تحديداً.
تساؤل مهم لكن جوابه لم يعد صعباً.