عبـــر إحـــدى الفضائيـــات، التــي تبث من بريطانيا، انبرى مقرئ حسيني ليلة العاشر من المحرم يحرض الخليجيين بشكل مباشـر على العصيان وكسر القوانين والدوس عليها! هكذا بكل بساطة، معتبراً أن من يحكم اليوم هو الحسين عليه السلام وأن كل شيء يهون في سبيل الحسين!
خلط لا منطقي وإقحام لسيد الشهداء وسبط الرسول عليه الصلاة والسلام في أمور لا علاقة له بها، والمبرر هو أن الحسين خرج لنصرة الدين، وأن من نصرة الدين الدوس على القوانين ورفضها طالما أن الهدف هو نصرة الحسين!
المقرئ -ولعل اسمه الحبيب- قال إن إحدى العائلات الكويتية المعروفة بخدمة أهل البيت ولديها مأتم تقدمت بطلب إلى الحكومة الكويتية للسماح بالخروج في مواكب عزاء في بعض شوارع الكويت -كما هو في البحرين مثلاً- لكن الحكومة رفضت. المقرئ أعلى من مكانة تلك العائلة وأثنى على مبادرتها، لكنه انتقدها بسبب استجابتها لقرار الحكومة، وقال إنه كان عليها وعلى الشيعة أن يرفضوا القرار ويدوسوا عليه وأن يكسروا القوانين ويخرجوا في مواكب العزاء غصباً عن الحكومة!
المقرئ المحرض زاد على ذلك بالقول إنه لا بأس لو تم اعتقال البعض وتعذيب البعض وسجن البعض، وحتى سقوط ضحايا، فالمهم هو كسر القانون والدوس عليه والانتصار لأبي عبدالله الحسين!
حديث المقرئ الجاذب عبر تلك الفضائية وتحريضه لم يتوقف عند هذا؛ إنما تطوع للتبشير بأنه آت ذلك اليوم الذي ترفع فيه رايات الحسين على الكعبة المشرفة ومنارات المسجد النبوي. هو لا يتحدث عن حلم ولكنه يحرض على ترجمة هذا الحلم إلى حقيقة واقعة عبر العصيان وكسر القوانين وتقديم التضحيات، وأن هذا هو الصح وغيره هو الخطأ.
لم ينتبه المقرئ المحرض إلى أنه يستغل منبر الحسين للتحريض ودفع الناس إلى التهلكة، وأنه بتحريضه هذا يشعل الفتنة ويتسبب في أذى الناس ويدعو إلى الفوضى، وأن قوله هذا يدخل في باب التحريض والتخريب. لم ينتبه إلى أنه يتجاوز حدوده ويخلط بين قضية الحسين وقضايا أخرى دون قضية الحسين، خصوصاً أنه لا علاقة بين هذه القضية وتلك القضايا، ولم ينتبه إلى أن ما يقوم به ويدعو إليه لا يرضي أهل البيت عليهم السلام، لأنه ببساطة يؤدي إلى صراع، الإسلام والشيعة في غنى عنه، صراع لا ينتج عنه سوى مزيد من الفرقة والتمزق.
هذا تحريض مرفوض وإن جاء عبر فضائية تبث من بلاد لا يهمها من قريب ولا من بعيد ما يقوله وما يحرض عليه، لكن المتابعين يعرفون أن هذا «الحبيب» ليس الوحيد الذي يمارس هذا الدور؛ فهناك آخرون يسيرون معه في نفس الخط ويعبرون عن القناعة نفسها، ولعل من الآخرين من هو أكثر اندفاعا وحماسا من هذا المقرئ «لنصرة الحسين» عبر الترويج والتحريض على كســر القوانين والدوس عليها والدخول في مساحة «الفوضى الخلاقة»!
ما قاله هذا المقرئ ليس صحيحاً؛ وما يؤسس له وآخرون من القراء الحسينيين خطأ ينبغي على عقلاء الشيعة الوقوف ضده لأن عواقبه مشينة، فالحسين رفع راية أخرى هي راية السلام ونصرة الدين، وأراد للناس الحياة الآمنة المستقرة ولم يدع عليه السلام إلى الفوضى والخروج على القوانين وكسرها، ولا يرضيه ما يدعو إليه هؤلاء لأنه يؤسس لوضع مناقض لما يريده آل البيت الكرام وما يريده الدين الحنيف.
ليس صحيحاً القول إن الغاية من الاحتفال بذكرى عاشوراء هو دفع المسلمين الشيعة إلى رفع راية الحسين على الحرمين الشريفين، وليس مقبولاً التحريض ضد السلطات والدعوة إلى العصيان وكسر القوانين والدوس على القرارات، كما أنه ليس صحيحاً ولا مقبولاً استغلال منبر الحسين لمثل هذه الأغراض.. السياسية والشخصية!