صــدر تقريــر جديــد عــن ديــوان الرقابــة الماليــــة، ومصيره يدفعنا للجزم -بنـــاء على مصير سابقيه- سيكون في الأدراج وعلـــى الرفـوف، ويبدو أن السلطة المعنية بالتشريــع والرقابة والمحاسبة وطـــــرح الثقة (نعني مجلس النواب) قد اختار كثير مـــن أعضائها عدم استعراض عضلاتهـــم «الكلامية» فيما يخص هذا التقرير، وهو ما يمكن رؤيته عبر شح التصريحات المهــددة والمتوعدة للوزراء والمسؤولين هذه المرة! يمكن الإجازات لها تأثير أيضاً، فالكثيرون لا يقرؤون الصحف فيها!
عموماً، يحزننا ونحن نرى فكرة إصلاحية رائدة مثل إنشاء ديوان الرقابة المالية ألا تحقق الهدف منها وألا تثمر عن نتيجة كلنا نتفق عليها، وهي محاربة الفساد الإداري والمالي والحفاظ على المال العام.
لـــم تحقق هدفها لأن من يفتــرض أن يستفيدوا من هذه التقارير لم يستفيدوا منها في محاسبة المستهترين بالمال العــام، للأسف تحولـــت المسألـــة من أداة كانت يمكن أن تحول النواب إلى أبطال في نظر الناس إلى أشخاص (بعضهم وليس كلهم) يحصدون عبارات الانتقاد والاستياء، إذ ماذا يحتاجون أكثر، ديوان كامل برئيسه وموظفيه يعملون على مدار العام ليرصدوا الأخطاء والتجاوزات ثم يقدمونها في تقرير واحد وكل نائب يحصل على نسخته وما عليهم سوى محاسبة المتجاوزين وتصحيح الأمور.
أكبر خيبة رصدت حينما تحولت المسألة إلى مساجلات مع ديوان الرقابة، حين ألقى النواب بمسألة المحاسبة على الديوان وأنه الملام على عدم محاسبة المتجاوزين، في حركة تخلـــى فيهـــا النــواب عن حق أصيل لهم بالمحاسبة والمساءلة. حينها قلنا إن كانت ذريعة النواب -كالعادة- باللوائح وغيرها، فإن أكثر من عشر سنوات من عمل المجلس وإنشاء ديوان الرقابة كانت كفيلة بتعديل أية لائحة، بل كفيلة حتى بتغيير الدستور بأكمله على سبيل المثال. لكن المشكلة كما يبدو متعلقة بالنوايا والرغبة والإرادة والفعل.
الآن حينما يتحدث بعض النواب ويطالبون بإنشاء محكمة خاصة لمحاسبة تجاوزات تقارير ديوان الرقابة فإنني من الأشخاص المؤيدين لذلك لسبب بسيط جداً يتمثل بأن التجربة أثبتت بأن هذا المجلس لن يحاسب أي أحد لا في الماضي ولا المستقبل، ورمي الكرة في ملعب الدولة أو ديوان الرقابة لا يعني سوى تخلي النواب عن حقهم الأصيل بالمساءلة وطرح الثقة، بالتالي يطرح السؤال بشأن الفائدة من البرلمان، أسيكون تشريعياً فقط؟! وحتى في هذه المسألة هناك أمثلة لا تدعو للتفاؤل.
لن يتغير شيء إلا بوقوف النواب جميعهم صفاً واحداً ويداً واحدة في كل المشاريع وفي حالات المساءلة والتصحيح، وإن تصعبت الأمور وتأزمت فما المانع من الاستقالة إن كان الاستمرار يعني مزيداً من خيبة الأمل لدى الناس التي انتخبت من يمثلهم فصدموا في النهاية بأن الدولة أرحم عليهم من النواب إلا من رحم ربي.
تريدون محكمة خاصة لمحاربة الفساد؟! والله نؤيدكم ونطالب بها، أقلها ستحاسب المفسدين وستحمي المال العام، بدلاً من صدور تقرير كل عام لا يضايق و«يغث» إلا هذا المواطن الذي بات كل شيء مسدوداً أمامه بذريعة العجز وضعف الميزانية.