رغم تبوؤها صدارة قائمة المسكوت عنه إلا أن الخلافات الخليجية الداخلية تظهر في أروقة اجتماعات القمم الخليجية كأكثر الهمسات ترديداً وبقوة تفوق عبق بخور تلك الأروقة، وهناك من يقول إن قراءة الخلافات في وجوه الحضور حفظهم الله بعد خروجهم من الجلسات المغلقة دون التطرق إليها أمر لا يسر، فالمواطن وصانع القرار السياسي يشربان من بئر واحدة وما يعكر صفو العلاقات يمس الجميع. لكن هناك من يقول إن دبلوماسية الحكمة وعدم التسرع أسلوب حميد أثبت نجاحه خلال مسيرة مجلس التعاون التي تجاوزت الثلاثين عاماً. ومن إيجابياتها عدم تحميل المواطن ضغينة خلافات فنية وإشكاليات اقتصادية أو سياسية أو حتى حدودية لا تحتاج إلا للوقت لتجاوزها، ولنا فيما يرافق كأس الخليج من مشاحنات ما يكفي.
ستعقد القمة الخليجية 34 في الكويت في 10 و11 ديسمبر الجاري وفي أجوائها خلافات خليجية داخلية مسكوت عنها في الصحف الرسمية، رغم تردد الهمس حولها عبر الخليج بقــوة في «تويتر» و«واتس اب» وتعـــود فـــي محركاتها إلى تحديات خارجية، على رأسها التقارب الغربي الإيراني والانقلاب الذي سيحدثه في المشهد الاستراتيجي الإقليمي.
فهناك من يرى أن من المفترض أن تكون العواصم الخليجية في مزاج أقل تسامحاً مع انطلاق الهيمنة الإيرانية في الخليج دون الحصول على ضمانات كالتي حصل عليها الكيان الصهيوني؛ وأبسطها تفكيك مفاعل بوشهر الذي يهددنا بالخطر لقلة الكفاءة التكنولوجيـــة والتشغيلية فيه. ثم خطـــر المفاعل الجديد الذي أعلنت طهران قبل ثلاثة أيام عن نيتها إقامته في نفس المنطقة وعلى دول مجلس التعاون الاعتراض على ذلك والضغط لوقف البناء. فلماذا يتدافع الخليجيون بالمناكب والأكتاف لشراء تذكرة سفر على سفينة تايتانيك! من جانب آخر يرى فريق متفائل أنه قد حان الوقت لإدخال إيران في ترتيبات الخليج الأمنية والاقتصادية والسياسية بعد جنوحها للعقلانية ثم تكبيلها بالمواثيق الدولية.
كما إن من الملفات الخلافية الموقف الخليجي المتعارض في سوريا؛ فهناك إجماع على أن الخصم هو الأسد وزبانيته؛ إلا أن هناك عدم اتفاق على من يستحق الدعم الخليجي من الثوار، وهو أمر مرتبط بجريان دم الإخوان المسلمين في شريان مقاتلي هذا الفصيل أو ذاك. وهذا الخلاف في غير محلة بدون شك، فالأجدى هو الارتفاع عن المستوى العملياتي للأزمة والعمل على دعمها في المستوى الاستراتيجي. وأول الخطوات هي الضغط على السيد بان كي مون للتنسيق مع الدول الخمس دائمة العضوية لتوجيه الدعوات للخليجيين لحضور جنيف 2 ليكونوا من صانعي القرار، وليست هذه بسابقة في غير محلها فقد كانت الكويت مشاركة في مؤتمر جنيف 1.
ومما لاشك فيه أن الشراكة الاستراتيجية مع الأردن والمغرب والتي ستناقش في القمة القادمة هي إحدى وسائل الخروج من الدوران في فلك واشنطن وتحت رحمة جاذبيتها التي قد تتخلى عنا في أية لحظة فننطلق خارج مدارها إلى الفراغ السحيق. كما إن من وسائل الخروج من ضغط الخلافات الداخلية -التي ستقود إن استمرت لتجوف هيكل مجلس التعاون من الداخل بشكل لا براء منه- العودة لفتح ملف الوحدة الخليجية الكونفدرالية، ففيها دواء لعلاج الخلافات وجعلها اختلافات سياسية تقومها وتضبط إيقاعها شروط الوحدة نفسها.
لقد لاحظ توماس فريدمان في مقاله الربيع العربي الآخر «The Other Arab Spring» في نيويورك تايمز 30 نوفمبر2013م «إن هناك تطورات جذرية وتحولاً دقيقاً لكنه حقيقي في العلاقات بين القادة الخليجيين وشعوبهم، ويمكن اكتشافه. حيث يدعو المزيد من القادة شعوبهم ليحكموا عليهم من خلال أدائهم».
وفيما نبارك هذا النهج المنفتح محلياً، نؤكد أن قادة الخليج قد نجحوا فيما مضى في تبرير معوقات مسيرة التعاون عبر نظام متكامل لإدارة تقبل الشعوب الخليجية لتلك المعوقات، واعتمدوا أسلوب إدارة الأزمة بالغموض. لكن الخلافات البينية الحالية التي قد تؤدي لانهيار هيكل التعاون تتجاوز قدرة الشعوب الخليجية على التسامح. فكيف عجزت التحديات الخارجية عن تفريقنا ونجحت حين امتطت الخلافات الداخلية.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}