إن كانت هناك أسباب للهواجس والمخاوف من قبل شارع الفاتح -الشارع ليس هو التجمع كجمعية- فهي أن هناك شعوراً بأن الدولة تريد أن تعقد صفقات «ترضية» لمن يقوم بالإرهاب اليوم في الشارع، وإعطاء هدايا على عادة الدولة القديمة الجديدة حتى يتوقف الإرهاب، ولتبدو البحرين بصورة مثالية أمام الغرب.
هذا أول الهواجس. الهاجس الآخر الذي يؤرق شارع الفاتح هي أن من يذهب لتمثيله «ائتلاف الجمعيات» على طاولة الحوار ليس لديه مشروع حقيقي يحاكي مطالب الشارع، وصوته منخفض، وذهب فقط (كحائط صد) وليس كصاحب مشروع، وهذا الأمر مزعج ومرهق جداً لشارع الفاتح.
إن كنتم تريدون الحقيقة؛ فإن الناس لم يعودوا يتقبلون أكثر من أي وقت مضى أن يروا من غدر بالبحرين، ومن طعننا في الظهر يملي ويضع شروطاً حتى يقبل بالتكرم والقدوم والجلوس إلى طاولة الحوار (المكسورة)..!
في تقديري الشخصي أن هناك من يخطئ في تقدير الأمور، خصوصاً في تقدير قوة وحجم شارع الفاتح، ويظن أن السيطرة على أعضاء جمعية الفاتح هي احتواء للشارع، وهذا تقدير خاطئ تماماً، (الشارع ليس هو أعضاء الجمعية) الذين قرروا أن يكون صوتهم منخفضاً، وقرروا أن يكونوا تابعاً، الشارع الحقيقي للفاتح هو ذلك الذي خرج عن بكرة أبيه في الأيام المشهودة في فبراير وما بعده في 2011، حباً وانتماءً للبحرين وليس لشخوص التجمع.
هذا هو الشارع، أما الجمعية والأعضاء، فهم الذين تجلسون معهم، في اعتقادي أنه يجب الفصل بين الاثنين، فالشارع قد يخرج في أي وقت، بعد أن زادت التراكمات السياسية والمعيشية على عاتقه، ولن يسمع لأعضاء التجمع حين يقولون له لا تخرجوا اليوم، حساب الشارع في شخوص وأعضاء جمعية الفاتح هو من أكبر الأخطاء السياسية، فالشارع شيء، والجمعية شيء آخر.
كنت أسأل نفسي هل تكرر الدولة أخطاء التسعينات وبداية الألفية و2011..؟
أليس كل ما قدمته الدولة من تنازلات سياسية كان تحت تهديد الإرهاب؟
أليس في ذلك رسالة خاطئة للمجتمع البحريني ككل، الذي يرهب سيعرف أن هذا طريق إخضاع الدولة، والذي لا يرهب ولا يقتل ولا يحرق، سيعرف أن كل ما حققه خصمه السياسي من مكاسب إنما جاءت من بعد إحراق البلد، وهذه رسائل خاطئة بامتياز ترسلها الدولة للجميع، وفيها من الخطر ما فيها.
الدولة هي التي أضاعت الطريق في تطبيق القانون، فلو طرحنا سؤال اليوم؛ أين هي خطابات من استدعتهم النيابة العامة من بعد تجاوز القانون؟
أين هم؟ لماذا صمتوا والمسألة لم تعد إلا استدعاء وتحويل القضية للمحاكم للنظر فيها؟
أخطأت الدولة في حسم قرار تطبيق القانون زمناً طويلاً، إما لأنها تريد إنجاح الحوار في رحلاته الطويلة المريرة المزعجة، وإما لأنها تريد أن تعطي صكوك للغرب من أنها متسامحة إلى حد القبول بالفوضى والشتائم والتحريض والسكوت عن الإرهاب.
من المهم اليوم أن يصل لكل أطراف الحوار أن شارع الفاتح لن يقبل أن يكون تابعاً، حتى وإن قرر تجمع الوحدة (الجمعية) أن يكون كذلك، من المهم للدولة أن تعرف أن التراكمات فوق التراكمات قد تؤدي إلى انفجار ما غير محسوب.
الدولة ترى أن المشكلة مع من يرهب ويحرق وصوته مرتفع، هذا الذي يجب إعطاؤه (حلويات الحفلة)!!
هذه الحسابات يجب أن تكون أمام صانع القرار، ونحن نقول ذلك من باب الحب والتشخيص والتنبيه ليس إلا، فلسنا من يطعن بالظهر أو الخاصرة، ولكن من واجبنا كصحافة أن نشخص المشهد، حتى وإن كان جزءاً من المشهد تمت مشاهدته مراراً.
حساب التراكمات التاريخية والسياسية التي تختلج داخل أنفس شارع الفاتح وشعور الشارع أنه غير مهم إلا في الأزمات الكبيرة يجب أن يكون دقيقاً هذه المرة، وعلى المستشارين الذين يحللون المشهد ويشخصونه أن يضعوا في الحسبان أن التراكمات السياسية التي كانت في دول الثورات العربية كانت تحتاج فقط إلى فتيل، وحين اشتعل الفتيل انفجرت التراكمات، هذه الصورة يجب نقلها لصاحب القرار.
حين يقول الأخ عبد الله الحويحي: «إن الدولة همشت شارع الفاتح 60 عاماً، وإن التجمع ليس تابعاً لها وسنقف ضدها»..!
حين يقول ذلك فإن الـ 60 عاماً مضت ولن تعود، فمن همش التجمع في ثلاثة أعوام، حتى وإن افترضنا (جدلاً) أن هناك من يخطط ضد التجمع؟
مواقفكم وصوتكم وأداؤكم هو الذي همشكم في ثلاثة أعوام، انفصلتم عن إرادة الشارع، وأصبحتم تعبرون عن أنفسكم، وهذا خطأ لا يغتفر أبداً، ولو أن موضوع عودة الحوار لم يخرج على السطح لما سمعنا صوتكم، كنتم في سبات عميق.
أعود وأقول إن هواجس الشارع من الدولة ومن إدارة التجمع هي هواجس حقيقة، هم يشعرون أن الدولة تريد إرضاء من لا يرضى إلا بـ (باقون حتى إسقاط النظام)، وإن كان هذا صحيحاً فيجب أن يصحح، حتى لا تكون العواقب غير محسوبة في توقيت حرج جداً.
أخشى أن الدولة تريد أن تقدم عروضاً إلى أطراف كهدية، بينما تنسى أن الطرف الآخر نسي معنى الفرح، ونسي شكل الهدايا، وجراحه تنزف منذ سنوات مضت، وهذا التراكم الثقيل في تقديري يشبه الألغام في مسيرة الدولة، واللغم ينفجر بالضغط...!