سيجد كل من يستفتي التاريخ أن البرتغاليين اهتموا بالأطراف المائية الخليجية فقط، بينما أقام الهولنديون محميات استيطانية تنافس أهل الخليج حتى في الغوص على اللؤلؤ. أما الفرنسيين فكان وجودهم مجرد امتداد لتنافسهم مع البريطانيين الذين كانوا أول من وضع نظام أمن استراتيجي متكامل، فمثل الخليج أحد الأقواس الدفاعية عن الهند، وأحد قرون الاستشعار كالسويس وعدن ومضيق ملكا.
كما ربطوا اقتصاد المنطقة بهم؛ فأصبح الخليج امتداداً جغرافياً للهند البريطانية، فلبسنا وأكلنا بل وتداولنا المفردات اللغوية ونقود الهند البريطانية، بل إن مهارة الاستراتيجيين البريطانيين جعلت حكام الخليج عبر اتفاقيات الحماية يعيشون في عزلة مريحة ترجمها قناعتهم بأن البعد الاستراتيجي أو اليد الممتدة من وراء الأفق أهم جزء من نظام أمن الخليج، وكان أن طالب بعضهم من لندن التريث في تنفيذ سياسة شرق السويس 1968م الرامية للخروج من الخليج، وأعلن البعض الآخر استعدادهم دفع كلفة بقاء بريطانيا.
وفي نهاية الستينيات كانت القوات البريطانية شركة أمن وحراسة تعمل لدى «الأخوات السبع» أو شركات النفط التي كانت خمس منها أمريكية.
لقد سارت الدوافع النفطية إلى جانب الدوافع الاستراتيجية في تشكيل نظرية أمن الخليج الأمريكية. وكانت أول مصافحة بين هواء الخليج ووجه البحار الأمريكي في 1941م حين أقيم الممر الفارسي «Persian Corridor» لدعم الشيوعي «ستالين» وهو يتضور جوعاً ويرتجف برداً جراء حصار الفيالق الألمانية، ثم تحول هذا الممر لخندق ضم الخليجيين وقوات الشاه لصد الشيوعية. فقد أعلنت واشنطن جراء ضعف بريطانيا مبدأ أيزنهاور 1957م لسد الفراغ الاستراتيجي في الخليج والمنطقة العربية. ثم مبدأ نيكسون 1968م أو «الدعامتين» ليقام على كتفي الرياض وطهران نظام أمن خليجي جديد.
أما مبدأ كارتر 1979م كرد فعل على الغزو السوفياتي لأفغانستان فكان أوضح وأشد نظريات الأمن الأمريكية تأثيراً، حيث ربط أمن الخليج بالأمن القومي الأميركي مباشرة، كما ظهرت فكرة قوة الانتشار السريع التي طبق تحركها في 1990م.
لقد كانت الدوافع النفطية في ثنايا كل مبدأ أمريكي وتتلخص في استمرار وصول النفط وبسعر مقبول. ولم يكن السوفيت بحاجة إلى نفط الخليج، لكن نظرية الدومينو كانت حاضرة بقوة في ذهن المخطط السوفيتي، فقد كان يكفي أن تقع دولة خليجية واحدة في براثن الشيوعية لتنهار بقية المنظومة. لقد وصفت موسكو أمن الخليج بمسؤولية تقع على كاهل أهله، وسفهت نظريات الفراغ الغربية. وفي الوقت نفسه كان الخليج هو الحنجرة التي أراد المصارع الروسي الوصول إليها لقطع أنفاس الصناعة الغربية، لذا دعمت موسكو من الشمال عبدالكريم قاسم في بغداد ومن الجنوب عبدالفتاح إسماعيل في عدن. كما فشلت موسكو في الوصول للخليج عبر معاهدة الصداقة والتعاون مع بغداد 1972م، فقد أخفق البعث بعد أزمته الصامتة 1973م في تحقيق أحد شروط المعاهدة وهو خلق ميناء للأسطول السوفيتي في وربة أو بوبيان.
أما روسيا «بوتين» فترى الخليج كمشروع محطة بترول على نسق الرأسمالية الروسية الحالية قابلة للابتزاز بملفات إيران وسوريا. ويعقد تحديد المفهوم الإيراني لأمن الخليج تقلب مجالات النفوذ لديها مما فرض إعادة التعريف في كل عقد بشكل مختلف، فهي حضارة الخليج حيث لا ينسب المعرف إلى النكرة، وهي شرطي الخليج مرة وهي ذات الصفة الأبوية المذهبية مرة أخرى.
أما تعريفها لأمن الخليج فهو أنها المرجعية في القضايا الإقليمية والنفطية والنووية. وراهناً لا ترى طهران مانعاً في أن تكتب أسطر نظرية أمن الخليج على ضفتيه بخط عربي، وبصبغة إسلامية على أن يكون ما بين البسملة وصدق الله العظيم مكتوباً باللغة الفارسية. ورغم أن الخليج حمل اسم خليج البصرة ضمن أسمائه المتعددة إلا أن بغداد جراء مغامرات قادتها كانت في المعسكر الآخر دائماً. وقد نظرت لأمن الخليج من منظار عسكري من خندق مواجه لإيران أو تابع للإمبريالية.
لكن الاستدارة الحادة حدثت بعد سقوط صدام، فأصبحت المصلحة الأمريكية والإيرانية في الخليج مبررة. ودون أن تسلك مسلك الاستجداء التركي مع أوروبا تعتقد بغداد أنها خليجية جغرافياً وتاريخياً واستراتيجياً.
أما أهل الخليج فيرون أنهم لا زالوا في الحقبة الأمريكية أو في أواخرها، وإن قضية سياسة شرق السويس البريطانية بمضمونها التهويلي تتكرر، ورغم تآكل فرص الرهان الخليجي إلا أن البعض قد يذهب لعرض تحمل كلفة بقاء هيبة واشنطن بيننا. فالدوافع النفطية للمظلة الأمريكية توشك على الزوال بعد اكتشاف النفط الصخري وتحلي النفط الإيراني بروح الصداقة ولا سبيل لتأخير التحولات الكبرى.
كما أن الأمن الجماعي الخليجي من خلال الإطار الوحدوي هو إجراء رغم إغراءاته البلاغية ليس قليل الحظ في التحقق فحسب بل قد لا يكون الحل السحري لمعضلة الأمن في الخليج لمحدودية القوة الخليجية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لكن البيئة الإقليمية سيئة الطباع لا تجعل أمام الخليجي خياراً في المراهنة على غيره. فمن تتبعنا لتطور مفهوم أمن الخليج وصلنا لما وصل إليه «فوكوياما» من أن التحديات القادمة لن تخرج عن نفس الإشكالات السابقة وعليه فقد استنفذ التحدي لأمن الخليج كافة أشكاله وانتهى التاريخ الخليجي الذي كان تاريخ تنافس دولي على موانئه فيما نحن قاصرون عن الفعل.
كما ربطوا اقتصاد المنطقة بهم؛ فأصبح الخليج امتداداً جغرافياً للهند البريطانية، فلبسنا وأكلنا بل وتداولنا المفردات اللغوية ونقود الهند البريطانية، بل إن مهارة الاستراتيجيين البريطانيين جعلت حكام الخليج عبر اتفاقيات الحماية يعيشون في عزلة مريحة ترجمها قناعتهم بأن البعد الاستراتيجي أو اليد الممتدة من وراء الأفق أهم جزء من نظام أمن الخليج، وكان أن طالب بعضهم من لندن التريث في تنفيذ سياسة شرق السويس 1968م الرامية للخروج من الخليج، وأعلن البعض الآخر استعدادهم دفع كلفة بقاء بريطانيا.
وفي نهاية الستينيات كانت القوات البريطانية شركة أمن وحراسة تعمل لدى «الأخوات السبع» أو شركات النفط التي كانت خمس منها أمريكية.
لقد سارت الدوافع النفطية إلى جانب الدوافع الاستراتيجية في تشكيل نظرية أمن الخليج الأمريكية. وكانت أول مصافحة بين هواء الخليج ووجه البحار الأمريكي في 1941م حين أقيم الممر الفارسي «Persian Corridor» لدعم الشيوعي «ستالين» وهو يتضور جوعاً ويرتجف برداً جراء حصار الفيالق الألمانية، ثم تحول هذا الممر لخندق ضم الخليجيين وقوات الشاه لصد الشيوعية. فقد أعلنت واشنطن جراء ضعف بريطانيا مبدأ أيزنهاور 1957م لسد الفراغ الاستراتيجي في الخليج والمنطقة العربية. ثم مبدأ نيكسون 1968م أو «الدعامتين» ليقام على كتفي الرياض وطهران نظام أمن خليجي جديد.
أما مبدأ كارتر 1979م كرد فعل على الغزو السوفياتي لأفغانستان فكان أوضح وأشد نظريات الأمن الأمريكية تأثيراً، حيث ربط أمن الخليج بالأمن القومي الأميركي مباشرة، كما ظهرت فكرة قوة الانتشار السريع التي طبق تحركها في 1990م.
لقد كانت الدوافع النفطية في ثنايا كل مبدأ أمريكي وتتلخص في استمرار وصول النفط وبسعر مقبول. ولم يكن السوفيت بحاجة إلى نفط الخليج، لكن نظرية الدومينو كانت حاضرة بقوة في ذهن المخطط السوفيتي، فقد كان يكفي أن تقع دولة خليجية واحدة في براثن الشيوعية لتنهار بقية المنظومة. لقد وصفت موسكو أمن الخليج بمسؤولية تقع على كاهل أهله، وسفهت نظريات الفراغ الغربية. وفي الوقت نفسه كان الخليج هو الحنجرة التي أراد المصارع الروسي الوصول إليها لقطع أنفاس الصناعة الغربية، لذا دعمت موسكو من الشمال عبدالكريم قاسم في بغداد ومن الجنوب عبدالفتاح إسماعيل في عدن. كما فشلت موسكو في الوصول للخليج عبر معاهدة الصداقة والتعاون مع بغداد 1972م، فقد أخفق البعث بعد أزمته الصامتة 1973م في تحقيق أحد شروط المعاهدة وهو خلق ميناء للأسطول السوفيتي في وربة أو بوبيان.
أما روسيا «بوتين» فترى الخليج كمشروع محطة بترول على نسق الرأسمالية الروسية الحالية قابلة للابتزاز بملفات إيران وسوريا. ويعقد تحديد المفهوم الإيراني لأمن الخليج تقلب مجالات النفوذ لديها مما فرض إعادة التعريف في كل عقد بشكل مختلف، فهي حضارة الخليج حيث لا ينسب المعرف إلى النكرة، وهي شرطي الخليج مرة وهي ذات الصفة الأبوية المذهبية مرة أخرى.
أما تعريفها لأمن الخليج فهو أنها المرجعية في القضايا الإقليمية والنفطية والنووية. وراهناً لا ترى طهران مانعاً في أن تكتب أسطر نظرية أمن الخليج على ضفتيه بخط عربي، وبصبغة إسلامية على أن يكون ما بين البسملة وصدق الله العظيم مكتوباً باللغة الفارسية. ورغم أن الخليج حمل اسم خليج البصرة ضمن أسمائه المتعددة إلا أن بغداد جراء مغامرات قادتها كانت في المعسكر الآخر دائماً. وقد نظرت لأمن الخليج من منظار عسكري من خندق مواجه لإيران أو تابع للإمبريالية.
لكن الاستدارة الحادة حدثت بعد سقوط صدام، فأصبحت المصلحة الأمريكية والإيرانية في الخليج مبررة. ودون أن تسلك مسلك الاستجداء التركي مع أوروبا تعتقد بغداد أنها خليجية جغرافياً وتاريخياً واستراتيجياً.
أما أهل الخليج فيرون أنهم لا زالوا في الحقبة الأمريكية أو في أواخرها، وإن قضية سياسة شرق السويس البريطانية بمضمونها التهويلي تتكرر، ورغم تآكل فرص الرهان الخليجي إلا أن البعض قد يذهب لعرض تحمل كلفة بقاء هيبة واشنطن بيننا. فالدوافع النفطية للمظلة الأمريكية توشك على الزوال بعد اكتشاف النفط الصخري وتحلي النفط الإيراني بروح الصداقة ولا سبيل لتأخير التحولات الكبرى.
كما أن الأمن الجماعي الخليجي من خلال الإطار الوحدوي هو إجراء رغم إغراءاته البلاغية ليس قليل الحظ في التحقق فحسب بل قد لا يكون الحل السحري لمعضلة الأمن في الخليج لمحدودية القوة الخليجية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لكن البيئة الإقليمية سيئة الطباع لا تجعل أمام الخليجي خياراً في المراهنة على غيره. فمن تتبعنا لتطور مفهوم أمن الخليج وصلنا لما وصل إليه «فوكوياما» من أن التحديات القادمة لن تخرج عن نفس الإشكالات السابقة وعليه فقد استنفذ التحدي لأمن الخليج كافة أشكاله وانتهى التاريخ الخليجي الذي كان تاريخ تنافس دولي على موانئه فيما نحن قاصرون عن الفعل.