قسماً يا بحرين الحب بمن شق ذلك البحر
قسماً سأبقى في حبك متيماً كعشق البشر
قسما يا أغلى موطن يحليه النخيل والشجر
حب الأوطان من فطرة الإنسان، ويمثل حنيناً عميقاً في النفوس، يفيض شعراً ونثراً، على ألسنة الشعراء والأدباء، ولكن حب الأوطان لا يكون فقط بالكلام، والخطب، ونظم الشعر ونسج المقالات، بل ينبغي أن يتم ترجمة ذلك إلى أفعال وسلوكيات، ومنظومة قيم، وفلسفة حياة، ومعايير للحكم والتقويم، ورابطة عامة للتقارب بين الأفراد والجماعات.
ويعزز الدين والإيمان قيمة حب الوطن، ويعلي من شأنها، وجعل القتال للدفاع عن الأوطان جهاداً يعد ذروة سنام الإسلام، ومن يقتل وهو يدافع عن وطنه وأرضه مقبلاً غير مدبر، مخلصاً نيته بعيداً عن الرياء والحمية والسمعة، يمنح مرتبة الشهيد، التي تعد من أعلى المراتب وأسماها، وأنبل الأوصاف وأجملها في الدنيا والآخرة.
علمنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام هذه القيمة عندما قال وهو يهم بالخروج من مكة مهاجراً، مطروداً من الأهل والعشيرة: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» يقول ذلك تعبيراً عن حنينه العميق وحبه العظيم لوطنه وبلده، ليكون نموذجاً لكل عربي ومسلم ولكل إنسان في انتمائه لوطنه، أينما كان وأينما وجد.
وإذا كان الإنسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه «بما فيها من الكائنات، والمكونات» حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأخوة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يراعيها ويؤديها على الوجه المطلوب، وفاءً وحباً منه لوطنه. وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض؛ ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات، فإن حب الإنسان لوطنه وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف.
ولذلك أصبح حب الوطن واجباً شرعياً ودينياً وأخلاقياً، هذا الحب يجب أن يترجم إلى واقع وإلى أفعال تؤكد هذا الحب وذلك الانتماء، حب الوطن هو شعور لا يجب أن يظل حبيساً في الصدور ومكنونات النفس، حب الوطن يجب أن يترجم إلى أفعال وإلى أقوال، فالوطن يستدعي منا جميعاً أن نعبر عن هذا الحب وأن يكون هذا الوطن ومصلحته وبقاؤه هو هدف أسمى لنا جميعاً، هذا الحب لا يترجم بحسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معاداة الوطن وأهله، وليس من حب الوطن نهب خيراته وأمواله، وليس من حب الوطن العمل على الفرقة بين أبنائه وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء و المناطقية والمذهبية بينهم، وليس من حب الوطن أن نبتز الوطن من أجل مصالح أنانية أو ذاتية، وليس من حب الوطن الاستقواء بالخارج، أو التهديد باستخدامه، وليس من حب الوطن التهديد بالانفصال وفك عرى وحدته.
إن الفارق بين حب الوطن وخيانة الوطن أمر واضح جلي لا يحتاج منا إلى إجهاد فكر حتى نتوصل إليه، وحتى لو كانت النوايا حسنة في حب الوطن، فلن تشفع أبداً في اختيار الوسيلة غير المناسبة للتعبير عن ذلك الحب.
يقول الشاعر الألماني الكبير جوته إنه عندما التقى نابليون بونابرت سأله: من هم أسوأ الناس الذين رأيتهم أو تعاملت معهم..؟ فأجابه نابليون: هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم..! وقديماً قالوا: حب الوطن من الإيمان. وفي الحديث الشريف: «عينان لا تمسهما النار»، منها: عين باتت تحرس في سبيل الله.. أي تحرس الوطن والأرض والعقيدة. ويقول ابن خلدون: حب الوطن والحنين إليه في الغربة علامة من علامات الشرف عند الرجال. ويقول ابن الرومي في حب الوطن كما هو، ومن غير تبرير أو تعليل أو تفسير:
وتستعذب الأرض التي لا هوى بها ولا ماؤها عـذبٌ ولكنها وطــن
ابدأ بنفسك: قبل أن ترفع علم بلدك وتجري لتهتف باسمه، وأنا أحترم وطنيتك، فكر ماذا عملت لها، هل ساعدت في ظهورها بمظهر حضاري لائق؟ أو اشتركت في حملة توعية لخدمة مجتمعك؟ هل بدأت بنفسك لتكون مواطناً متحضراً ومنظماً وتحترم القانون والنظام؟
لابد أن يبدأ كل فرد بنفسه، وعندها ستتغير الأمور كثيراً وينشط الجميع وبالتدريج سوف تظهر معالم الرقي والتحضر، فنحن أحق الشعوب بهذه الألقاب؛ لأننا كنا أصحابها ولكن لا نملك الآن إلا آثارها.
ومن هنا جاء واجبنا تجاه وطننا بالجد في طلب العلم واكتساب الخبرة، وبالتالي خدمة الوطن في شتى مجالات الحياة؛ ليتكون لدينا في المستقبل تقديم الأفضل للأجيال المهددة للغزو الثقافي، ومن واجب أفراد المجتمع التعاون في جميع بقاع الأرض؛ لتتحد كلماتهم وصفوفهم ويصبحوا كالبنيان المرصوص؛ فيستطيعوا إعادة العزة والمناعة لدولتهم وصد الأخطار عنها، كما لا يغيب عن بالنا ما للأخلاق من أهمية، بغرس الإيمان في النفوس والالتزام بالخير والحق والعدل والإخلاص في العمل وإتقانه.
هكذا أحببتك يا بحرين فحبك جزئي الكــــامل
هكذا ضعت في عشقك والعشق حب حاصــل
هكذا أغرمت في هذا الوطن في جماله القاتل
وكل عام وأهلي ووطني البحرين بخير وسلامة وأسأل الله أن يكون عام 2014 عام خير وبركة على بحريننا وأهلنا وقيادتنا بتوفيق الله وحفظه.
{{ article.visit_count }}
قسماً سأبقى في حبك متيماً كعشق البشر
قسما يا أغلى موطن يحليه النخيل والشجر
حب الأوطان من فطرة الإنسان، ويمثل حنيناً عميقاً في النفوس، يفيض شعراً ونثراً، على ألسنة الشعراء والأدباء، ولكن حب الأوطان لا يكون فقط بالكلام، والخطب، ونظم الشعر ونسج المقالات، بل ينبغي أن يتم ترجمة ذلك إلى أفعال وسلوكيات، ومنظومة قيم، وفلسفة حياة، ومعايير للحكم والتقويم، ورابطة عامة للتقارب بين الأفراد والجماعات.
ويعزز الدين والإيمان قيمة حب الوطن، ويعلي من شأنها، وجعل القتال للدفاع عن الأوطان جهاداً يعد ذروة سنام الإسلام، ومن يقتل وهو يدافع عن وطنه وأرضه مقبلاً غير مدبر، مخلصاً نيته بعيداً عن الرياء والحمية والسمعة، يمنح مرتبة الشهيد، التي تعد من أعلى المراتب وأسماها، وأنبل الأوصاف وأجملها في الدنيا والآخرة.
علمنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام هذه القيمة عندما قال وهو يهم بالخروج من مكة مهاجراً، مطروداً من الأهل والعشيرة: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» يقول ذلك تعبيراً عن حنينه العميق وحبه العظيم لوطنه وبلده، ليكون نموذجاً لكل عربي ومسلم ولكل إنسان في انتمائه لوطنه، أينما كان وأينما وجد.
وإذا كان الإنسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه «بما فيها من الكائنات، والمكونات» حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأخوة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يراعيها ويؤديها على الوجه المطلوب، وفاءً وحباً منه لوطنه. وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض؛ ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات، فإن حب الإنسان لوطنه وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف.
ولذلك أصبح حب الوطن واجباً شرعياً ودينياً وأخلاقياً، هذا الحب يجب أن يترجم إلى واقع وإلى أفعال تؤكد هذا الحب وذلك الانتماء، حب الوطن هو شعور لا يجب أن يظل حبيساً في الصدور ومكنونات النفس، حب الوطن يجب أن يترجم إلى أفعال وإلى أقوال، فالوطن يستدعي منا جميعاً أن نعبر عن هذا الحب وأن يكون هذا الوطن ومصلحته وبقاؤه هو هدف أسمى لنا جميعاً، هذا الحب لا يترجم بحسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معاداة الوطن وأهله، وليس من حب الوطن نهب خيراته وأمواله، وليس من حب الوطن العمل على الفرقة بين أبنائه وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء و المناطقية والمذهبية بينهم، وليس من حب الوطن أن نبتز الوطن من أجل مصالح أنانية أو ذاتية، وليس من حب الوطن الاستقواء بالخارج، أو التهديد باستخدامه، وليس من حب الوطن التهديد بالانفصال وفك عرى وحدته.
إن الفارق بين حب الوطن وخيانة الوطن أمر واضح جلي لا يحتاج منا إلى إجهاد فكر حتى نتوصل إليه، وحتى لو كانت النوايا حسنة في حب الوطن، فلن تشفع أبداً في اختيار الوسيلة غير المناسبة للتعبير عن ذلك الحب.
يقول الشاعر الألماني الكبير جوته إنه عندما التقى نابليون بونابرت سأله: من هم أسوأ الناس الذين رأيتهم أو تعاملت معهم..؟ فأجابه نابليون: هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم..! وقديماً قالوا: حب الوطن من الإيمان. وفي الحديث الشريف: «عينان لا تمسهما النار»، منها: عين باتت تحرس في سبيل الله.. أي تحرس الوطن والأرض والعقيدة. ويقول ابن خلدون: حب الوطن والحنين إليه في الغربة علامة من علامات الشرف عند الرجال. ويقول ابن الرومي في حب الوطن كما هو، ومن غير تبرير أو تعليل أو تفسير:
وتستعذب الأرض التي لا هوى بها ولا ماؤها عـذبٌ ولكنها وطــن
ابدأ بنفسك: قبل أن ترفع علم بلدك وتجري لتهتف باسمه، وأنا أحترم وطنيتك، فكر ماذا عملت لها، هل ساعدت في ظهورها بمظهر حضاري لائق؟ أو اشتركت في حملة توعية لخدمة مجتمعك؟ هل بدأت بنفسك لتكون مواطناً متحضراً ومنظماً وتحترم القانون والنظام؟
لابد أن يبدأ كل فرد بنفسه، وعندها ستتغير الأمور كثيراً وينشط الجميع وبالتدريج سوف تظهر معالم الرقي والتحضر، فنحن أحق الشعوب بهذه الألقاب؛ لأننا كنا أصحابها ولكن لا نملك الآن إلا آثارها.
ومن هنا جاء واجبنا تجاه وطننا بالجد في طلب العلم واكتساب الخبرة، وبالتالي خدمة الوطن في شتى مجالات الحياة؛ ليتكون لدينا في المستقبل تقديم الأفضل للأجيال المهددة للغزو الثقافي، ومن واجب أفراد المجتمع التعاون في جميع بقاع الأرض؛ لتتحد كلماتهم وصفوفهم ويصبحوا كالبنيان المرصوص؛ فيستطيعوا إعادة العزة والمناعة لدولتهم وصد الأخطار عنها، كما لا يغيب عن بالنا ما للأخلاق من أهمية، بغرس الإيمان في النفوس والالتزام بالخير والحق والعدل والإخلاص في العمل وإتقانه.
هكذا أحببتك يا بحرين فحبك جزئي الكــــامل
هكذا ضعت في عشقك والعشق حب حاصــل
هكذا أغرمت في هذا الوطن في جماله القاتل
وكل عام وأهلي ووطني البحرين بخير وسلامة وأسأل الله أن يكون عام 2014 عام خير وبركة على بحريننا وأهلنا وقيادتنا بتوفيق الله وحفظه.