في 29 يناير الماضي أصدرت، ما تحب أن تطلق على نفسها اسم «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة»، بياناً أدانت فيه الحكم الصادر بحل المجلس العلمائي وتصفية حسابه وإغلاق مقره، حيث اعتبرت الحكم معبراً عن «الانتقام السياسي من المجلس العلمائي نتيجة مواقفه الداعمة للحريات والإصلاح»(...)، ورأت أن هذا الحكم «يزيد من تعقيد الأمور ويضاعف الاحتقان في البلاد ويمس بالسلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي».
وعبرت تلك القوى أيضاً في بيانها عن استغرابها من قيام القضاء بإصدار هذا الحكم، في الوقت الذي كان «طلب المدعي وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف يتمثل في وقف عمل المجلس»، معتبرة ذلك «مخالفة واضحة تؤكد حاجة القضاء البحريني للإصلاح المستعجل»، ومعتبرة إياه تأكيداً على «رفض النظام للآراء المخالفة له»، ومناقضاً «لشعارات الديمقراطية التى ترفعها شركات العلاقات العامة التابعة للنظام في الإعلام والمحافل الدولية».
البيان قال أيضاً إن»الحكم الصادر بحل المجلس العلمائي يضاعف المصاعب ويضع حجرات عثرة أمام إحداث تطورات إصلاحية مستقبلية».
«القوى المعارضة» التي أصدرت البيان اعتبرت القرار مجحفاً ودعت الجماهير إلى التعامل معه بوعي وعدم الانجرار وراء الدعوات الكامنة من وراء إصداره والتي يراد منها «التحشيد الطائفي والفئوي المبيت بين جنبات القرار»، ورأت أنه يدخل في «القرارات التأزيمية والخارجة من سياقاتها» وحملت السلطات مسؤولية تبعاته.
هذا البيان الغريب والمثير صدر يحمل أسماء خمس جمعيات سياسية هي؛ الوفاق ووعد والقومي والوحدوي والإخاء، ويحتاج إلى وقفة.
أن يحمل البيان توقيع جمعية الوفاق فهو أمر مستوعب؛ لأن الوفاق بشكل أو بآخر تعتبر صورة من صور المجلس العلمائي، لكن أن يصدر بتوقيع جمعيات سياسية تعتبر نفسها تقدمية ومحسوبة على اليسار مسألة صعبة الاستيعاب، ذلك أن صيغته وعباراته ومراميه لا تتناسب والفكر التقدمي الداعي إلى الحريات التي يعمل العلمائي بشكل أو بآخر ضدها!
البيان كتبته الوفاق، وهو يعبر عنها، لكن من غير المعقول ولا المقبول أن توقع جمعيات سياسية تنتمي إلى اليسار، أو تعبر عن هذا الفكر ولو ظاهراً على مثل هذا البيان وتعتبره معبراً عنها.
البيان يستميت في الدفاع عن المجلس العلمائي الذي أخرج الناس في مظاهرة ضخمة ضد قانون الأحوال الشخصية الذي تدعو إليه تلك الجمعيات «التقدمية»!
البيان يقول إن الحكم جاء معبراً عن «الانتقام السياسي من المجلس العلمائي نتيجة مواقفه الداعمة للحريات والإصلاح»، فأي مواقف داعمة للحريات والإصلاح تعنيها الجمعيات «التقدمية»؟ هل موقف المجلس العلمائي من قانون الأحوال الشخصية يدخل في دعم الحريات والإصلاح؟ وهل مطالبتها بمنع الحريات الشخصية في مختلف مظاهر الحياة يدخل في دعم الحريات والإصلاح؟
هذا تناقض مثير تقع فيه القوى الوطنية (العلمانية اليسارية الليبرالية التقدمية)، والتي طوال عمرها تنادي بالحريات وترفع شعارات الديمقراطية. حقيقة ذهلت عندما قرأت البيان وأثنيت على المنبر التقدمي الديمقراطي الذي لم يورط نفسه بالتوقيع عليه لأنه من غير المنطقي أن تدافع مؤسسات تقدمية تنادي بالحريات عن مؤسسة دينية تنادي بتقييد الحريات.
لا تفسير لهكذا موقف من الجمعيات الأربع سوى أنها أضاعت البوصلة وأنها اتخذت قراراً بالوقوف مع كل ما يدين النظام، حتى وإن كان مخالفاً لقناعاتها ومبادئها وأفكارها.
هذا مطب صعب أوقعت نفسها فيه تلك الجمعيات التي يعبر بعضها على الأقل عن الفكر اليساري، ويحمل إرثه ويتحدث باسمه وبتاريخه النضالي.
يكفي لدعوة هذه الجمعيات إلى مراجعة نفسها ملاحظة المفردات الوفاقية التي احتواها البيان، فكيف لجمعيات سياسية تنادي بحكم القانون والمؤسسات أن ترفض القانون؟ هل لأنها تعتقد أنه يجب ألا يطبق عليها أو على من «يعز» عليها؟
إنها نكتة الموسم؛ أن يصدر يساريون بياناً يدافعون فيه عن يمين متطرف.