منذ زمن ونحن هكذا، لا أعرف منذ متى، غير أن على أقل تقدير، فإن ما يحدث لنا منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، هو ما يشبه الدوران في ذات المكان، أو بتشبيه أكثر دقة، هو يشبه ما نقوم به في بعض الأحيان حين نشعر أن وزن أجسادنا زاد عن المعدل بكثير، فنذهب لنشتري جهازاً للمشي ونضعه في المنزل.
السير المطاطي للجهاز يسير، نحن نتحرك (في أول أيام شراء الجهاز فقط، وبعد ذلك يعلوه الغبار) لكننا نتحرك في ذات المكان..!
حتى وإن كان مؤشر الجهاز يقول لك إنك مشيت 4 كيلومترات مثلاً، فإنك تمشي في ذات المكان..!
إن كان هناك من شعور ينتاب المواطن وهو يعود لوطنه بعد أن يزور بلداناً (أوروبية كانت أو آسيوية)، فإن شعور جهاز المشي أول ما يخطر بباله، كل شيء على ما هو عليه، ذات الرتابة وذات رتم الحركة، كل شيء هو هو لا يتغير.
عدت من الإجازة فوجدت تلك العجلة أمام عيني، بعض الإخوة قال لي بعد وصولي إنه تعطل ليلة أمس الأول في «الهايوي» لوقت طويل، لأن هناك من حرق الإطارات وعطل الناس..!
العجلة هي هي، كل شيء كما هو، وكأن حال البلد معطل بسبب الإرهاب المسكوت عنه.
أخبار الصحف تقول تمت إحالة عدد من قضايا الفساد للنيابة العامة، وشبهة فساد بطلها (حسب الصحف) وزير سابق تقدر بأربعة ملايين دينار، والمخفي أعظم من ذلك بكثير خاصة في موضوع الفساد المذكور.
بعيداً عما سبق، فقد كتبت كثيراً عما يجري في موضوع معاهد التدريب، ومنح الشهادات، ومنح تراخيص المعاهد بشكل تمييزي فاضح، وعن الميزانيات التي لا يعرف أين تذهب، ويترتب على ذلك تبعات خطيرة، لكن لا حياة لمن تنادي، الجميع يرى المشهد فيتفرج فقط، ولا أعرف أي فأس أكبر من (فأس 2011) ننتظر..؟
حتى اللحظة نشعر أن الدولة تفعل أموراً تصحيحية تخص كيانات خارج القانون، ثم تجدها في وضع تدافع فيه عن نفسها، وكأنها تبرر ما فعلت وهذا الأمر يتكرر كثيراً، بينما الخطأ الأكبر هو كيف تسمح الدولة أصلاً بقيام كيانات خارج القانون، ولماذا سكتت كل هذه المدة، هذا الأخطر من إغلاق «العلمائي» كما يسمونه..!
في السفر سبع فوائد، غير أني اكتشفت أمراً ربما صحح بعض المعلومات لدي، وهو أنني دائما أظن أن عملتنا أفضل من بعض الدول الآسيوية من حيث قيمة الدينار (باستثناء الدول المتقدمة في آسيا كاليابان وكوريا وغيرهما)، فاكتشف أن قيمة «الرنقت الماليزي» مثلاً أعلى من قيمة الدينار البحريني..!
بلدان كبيرة عدد سكان كبير، جزر متباعدة، إمكانات بترولية ليست كبيرة (تشبه الحالة البحرينية) لكن الاقتصاد قوي، التجارة في وضع ممتاز، الصناعة متقدمة، شعورك وأنت تدخل العاصمة الماليزية أن هذه الدولة متقدمة من حيث التنظيم والعمران، وقوة النشاط الاقتصادي والتجاري والسياحي.
كل ذلك يجعل في مخيلتك صورة تجاور الصورة، أين نحن، وأين الآخرون؟
ألف كلمة تلح عليك، ولا جواب..!
كل البلدان بها فساد وبها مشاكل أعراق وطوائف وأديان، هناك في ماليزيا مثلاً كما قال لي أحد المواطنين الماليزيين الأصليين (ملاوي) أن هناك مشكلة في ماليزيا قد تتفجر في وقت ما، وهي أن الدولة تقوم على ثلاث أعراق (الملاوي السكان الأصليون، الصينيون، والهنود الهندوس). وأضاف المواطن أن الصينيين والهنود يحاولون الاستحواذ على الاقتصاد وعلى الأراضي بأكبر قدر ممكن، وهذه مشكلة تؤرق السكان الملاويين..!
استمعت إلى الرجل، وكأني أرى المشهد البحريني، هناك بعض التقارب، وأنتم وأنا نعلم ما هي الحكاية، ومن الذي يريد الاستحواذ على الاقتصاد والتجارة، ومن هو الذي يريد الاستحواذ على الأراضي، الصورة فيها تقارب إلى حد ما.
توقعت أن يكون السفر في هذا التوقيت من العام أفضل من المواسم المعروفة من حيث الأسعار، إلا أني اكتشفت أيضاً أني ذهبت في توقيت رأس السنة الصينية، وهذا جعل أسعار الفنادق عالية، كون الصينيين يسافرون بأعداد كبيرة في إجازاتهم، وكذلك كانت الرحلة متزامنة مع موسم عطلة في المملكة العربية السعودية، وهذا أيضاً جعل السائح السعودي يتواجد بكثيرة في ماليزيا.
نتغنى بأننا دولة سياحية، غير أننا كدولة حتى الساعة لم ندرك ولم نستغل قربنا من المملكة العربية السعودية وهي لديها أكبر شعب ينفق في السياحة الخارجية، لم نقم مشروعات تستقطبهم، لم نستغل مواسم شهور من منتصف أكتوبر وحتى منتصف إبريل، في هذه الفترة بإمكان البحرين أن تستقطب أعداداً كبيرة من السياح الخليجيين، وهذا من شأنه أن يدعم الاقتصاد وبقوة.
لكن السائح لا يأتي إلى بلد الأمن فيه مفقود أو مهزوز، والسائح لا يذهب إلى دولة ليست بها «خدمات سياحية عالية» ولا يذهب إلى دولة ليست فيها مقومات السياحة التي تجذب أسرته، ولا يذهب إلى دولة عاصمتها على البحر لكنك لا تستطيع أن تصل إلى البحر، هذه أكبر مشكلة نعاني منها.
الصحف المحلية نشرت أن الدعوة للحوار أنعشت السوق العقاري، قد يكون ذلك، إلا أننا نريد أن ينتعش كل شيء وبشكل دائم حين تقرر الدولة القضاء على الإرهاب تماماً، وتقوم بتنفيذ توصيات المجلس الوطني بشكل حازم وفي كل التوصيات.
الذهاب للحوار والإرهاب في الشارع كلفنا كثيراً، يزعجنا أن الدولة لم تتعلم من دروس التسعينات والألفية، عقد صفقات والإرهاب في الشارع مشكلة كبيرة، تتفاقم كلما مر الوقت، من يقف خلف الإرهاب يشعر أنه حقق ما حقق لأن الدولة خضعت للإرهاب، بعد أن اكتوت به.
العجلة تدور، ونحن نشعر أننا نتحرك في ذات المكان، العالم يتغير يتطور، البلدان تنهض وتغير جلدها لتتطور وتسابق الزمن وتقلص الفجوات بينها وبين الآخرين في تحدٍّ جميل.
بينما حالنا يشبه حال الرجل الذي لا يملك وسيلة نقل، ومر عليه وقت طويل ينتظر في المحطة، ومن ثم شاهد حافلة آتية فركب فيها وهو لا يعرف إلى أين سيذهب، هي حافلة والسلام، أفضل من الوقوف في المحطة، لكن هذه الحافلة أيضاً كثيراً ما تتعطل في الطريق بسبب الفوضى والتخريب من بعض الركاب..!