من القضايا التي توقعت أن ينشغل بها العالم العربي عام 2014م، هي محاربة الإرهاب محاربة جادة. وقد بدأت العديد من المؤشرات تصب في هذا الاتجاه، من بينها الورقة الرابحة التي لعب بها النظام السوري في حوار مؤتمر جنيف2 مع الائتلاف السوري المعارض حين فسر ما يحدث في بلاده بأن سوريا تواجه إرهاباً دولياً منظماً تشرف عليه وتموله العديد من الدول. ومن المؤشرات كذلك انقلاب المزاج العربي بشكل حاد ضد العديد من التنظيمات السياسية التي ترفع شعار الإسلام وتستخدم سلاح الشارع والعنف في الوصول إلى الحكم.
ومن الأخبار التي تستحق القراءة بعناية موقف المملكة العربية السعودية الأخير الحاسم من قضية الجهاد في سوريا والبدء الجاد في محاربة روافده في السعودية، إذ يعتبر العديد من المحللين أن الحلقتين اللتين قدمهما الإعلامي السعودي داوود الشريان عن التغرير بالشباب السعودي ودفعهم للجهاد في سوريا إشارة البدء للتحرك ضد هذه العمليات المنظمة في السعودية، وذلك لأن اسم المملكة زج به، من جديد في قضايا الجهاديين والإرهاب، وكانت المملكة قد نجحت في السنوات السابقة في الخروج من هذه التهمة عبر العديد من التدابير الأمنية والتوعوية. وتشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن خمسة آلاف سعودي قد تم توجيههم إلى سوريا. كما إن عدداً ليس بالقليل من السعوديين يشاركون في صفوف القاعدة في اليمن وقد بدا ذلك واضحاً في تورط العديد من السعوديين في تنفيذ عملية اقتحام وزارة الدفاع اليمنية وتفجير مستشفى العرضي العسكري. الأمر الذي أصبحت ظاهرة الجهاديين السعوديين تشكل ظاهرة يصعب على السعودية أن تتجاهلها.
أما مظاهر حسم السعودية لقضية الدعوات إلى الجهاد في سوريا فيترجمها البيان الملكي الذي قضى بعقوبة الحبس لمدة تصل إلى 20 عاماً للذين (ينضمون أو يناصرون أو يقدمون دعماً مادياً أو معنوياً لجماعات دينية أو فكرية ومتطرفة. أو المصنفة كتنظيمات إرهابية سواء داخل البلاد أو خارجها)، حسب القرار الملكي الأخير. وهذا ما دفع الكثير من المحللين إلى توقع أن يتم إسكات العديد من شيوخ الدين الذين يدعون للجهاد إلى سوريا ويمتلكون اتصالات وعلاقات بالجماعات المقاتلة هناك مثل الشيخ محمد العريفي والشيخ عدنان العرعور.
ويصب في الاتجاه نفسه ما أعلنه الدكتور عبداللطيف آل الشيخ الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أن الهيئة تضم في صفوفها بعض المتطرفين وأن العمل سيجري على التخلص من شيوخ الفتنة في الهيئة، وتضمن تصريح آل الشيخ اعتزام الهيئة تأهيل كوادرها بإلحاقهم بدورات تعليمية وإرسال بعض أفراد الهيئة لإكمال دراستهم في الخارج، وهو ما يعد تطويراً لجهاز الأمن بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يتحفظ على أدائه الكثير من السعوديين ويعتبرون وجوده أحد عوائق حل العديد من القضايا الإشكالية في السعودية مثل قضايا الحريات العامة وقضية قيادة المرأة للسيارة.
كل تلك المؤشرات تدل على أن السلطات السعودية لم يعد بإمكانها قبول بأن تعود صورة السعودية إلى الواجهة باعتبارها أحد روافد الإرهاب في المنطقة، وما رافقها من حملة هجوم شديدة على الفكر (السلفي الوهابي) ووصفه بأنه فكر إقصائي تكفير ومؤسس للجماعات الجهادية التي تعيث فساداً وتفجيراً في كل مكان.
يأتي تحرك السلطات السعودية هذا ليس حداً من انخراط الشباب السعودي في الجماعات الجهادية في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول فحسب، بل توافقاً مع تطور الأحداث في سوريا وتعاظم نفوذ (داعش) وامتدادها من سوريا إلى العراق ورفضها وساطة الظواهري في التصالح مع (جبهة النصرة) و(الجبهة الإسلامية) واشتداد ضرباتها ضد الجيش الحر. الأمر الذي خلط الأوراق في القضية السورية وقلب طاولة الأحداث لصالح النظام السوري واستثماره لفوضى الإرهاب التي تمارسها تلك الجماعات لمصلحته ولتقوية جبهته وتوسيع التأييد الدولي له، واتهامه السعودية صراحة برعاية تلك الجماعات وتمويلها.
المملكة العربية السعودية تسير في الاتجاه الصحيح. والأفراد والجماعات الذين يدعمون ويمولون القتال في سوريا واليمن أو أي بقعة أخرى يجب أن يخضعوا للمتابعة الأمنية والمحاسبة. فلن تكون بلداننا في مأمن من شر سماسرة الإرهاب الذين يشترون مؤونته من داخل أراضينا ويبيعونه على غيرنا.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}