كان السؤال الحاكم الذي طرحته، ولاتزال، الثورة السورية: أي نظام يحل في دمشق. والسؤال هذا يفترض ضمناً أن الكيان السوري ناجز، أو على الأقل مستوفٍ لشروط المتانة في نسيجه الوطني، لا ينقصه إلا تغيير علاقات الحكم والسلطة على نحو يناسب ذاك النسيج ويعمل على تطويره وإنمائه. لكن اصطباغ الثورة بحرب أهلية وبأزمة إقليمية - دولية، بات يطرح سؤالاً آخر: أي سوريا ستكون؟ وهو سؤال يعود بنا إلى الأصول والبدايات التكوينية التي ظن أن السوريين تجاوزوها في الثلاثينات.
ولابد اليوم من الاعتراف بأن السؤال الثاني بدأ يحرز الغلبة على السؤال الأول. هذا ما تقوله الأيام الأخيرة في الأمم المتحدة، بمداولاتها وباحتمال تسوياتها، أو نزاعاتها، بقدر ما تقوله الوقائع الميدانية التي يتصدرها صعود «النصرة» و«داعش» وصراعهما مع الجيش السوري الحر وأيضاً مع المقاتلين الأكراد، فضلاً عن صراع الجيش الحر والجيش «العربي السوري».
لقد استحال الربط بين مستويي الصراع وتوحيدهما في مستوى واحد: ذاك الذي يفصل بين النظام السوري و«المجتمع الدولي» وذاك الذي يفصل بين النظام المذكور وغالبية أبناء شعبه. ولأن المستوى الثاني مسكون بالتكسر المجتمعي والتنظيمي، محاصر به، كتبت الغلبة، وتكتب، للمستوى الأول. هكذا، وبدل توظيف العناصر الخارجية لخدمة الثورة، باتت الثورة شديدة الهشاشة حيال توظيف العناصر الخارجية لها.
لكن الوجه الآخر للمحنة السورية أن ما يصح في الثورة يصح أيضاً، وربما بدرجة أكبر، في النظام الذي بات بقاؤه مرهوناً، على نحو يومي وشفاف، بالدعم الروسي والمدد الإيراني – الحزب اللهي.
وتتوزع المسؤوليات عما آل الوضع إليه على قوس قزح واسع من الأطراف والقوى، منها الثورة نفسها ومنها «المجتمع الدولي» ذاته. لكن توزيع المسؤوليات هذا لا يحل مشكلة التحلل الذي يعانيه اليوم الداخل السوري ووطنيته المفترضة، ما بين أزمة إقليمية، فوق وطنية، تعتصره من جهة، وأزمة تفتت، دون وطنية، تعتصره من جهة أخرى. لقد انتهينا إلى وضع من عدم الانقشاع السوري ما بين واشنطن وموسكو وطهران ولندن وبكين، و«النصرة» و«داعش» و«العمال الكردستاني».. إلخ.
وهذا ما يعني، بين أمور أخرى، أن النظام السوري يحقق، فيما هو يتداعى ويموت، نصراً مبيناً. ذاك أن هذا النظام لم يقم على شيء قيامه على نفي الوطنية وتدميرها، متأرجحاً بين عروبة الأوهام الجميلة في أزمنة الثرثرة والراحة وبين المنطقة والطائفة في أزمنة الجد.
والحال أن عداوة ذاك النظام للوطنية تكاد ترقى إلى غريزةٍ سبق أن عمل على تعميمها في لبنان والعراق وبين الفلسطينيين، مكافحاً كل محاولة تظهر في أي من تلك البلدان لإحداث شيء من التشكل الوطني. ومن مكافحة «العرفاتية»، إلى مساعدة الإرهابيين على التسلل إلى العراق، إلى مقتل رفيق الحريري في لبنان، تأسس سجل حافل يرقى إلى مدرسة في «السياسة».
في هذا المعنى يمكن النظر إلى الانتصارية الخرقاء التي يعبر عنها بشار الأسد في مقابلاته الصحافية الأخيرة. أما سوريا نفسها فتبتلعها علامة استفهام تكبر يوماً بعد يوم.
* نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية
ولابد اليوم من الاعتراف بأن السؤال الثاني بدأ يحرز الغلبة على السؤال الأول. هذا ما تقوله الأيام الأخيرة في الأمم المتحدة، بمداولاتها وباحتمال تسوياتها، أو نزاعاتها، بقدر ما تقوله الوقائع الميدانية التي يتصدرها صعود «النصرة» و«داعش» وصراعهما مع الجيش السوري الحر وأيضاً مع المقاتلين الأكراد، فضلاً عن صراع الجيش الحر والجيش «العربي السوري».
لقد استحال الربط بين مستويي الصراع وتوحيدهما في مستوى واحد: ذاك الذي يفصل بين النظام السوري و«المجتمع الدولي» وذاك الذي يفصل بين النظام المذكور وغالبية أبناء شعبه. ولأن المستوى الثاني مسكون بالتكسر المجتمعي والتنظيمي، محاصر به، كتبت الغلبة، وتكتب، للمستوى الأول. هكذا، وبدل توظيف العناصر الخارجية لخدمة الثورة، باتت الثورة شديدة الهشاشة حيال توظيف العناصر الخارجية لها.
لكن الوجه الآخر للمحنة السورية أن ما يصح في الثورة يصح أيضاً، وربما بدرجة أكبر، في النظام الذي بات بقاؤه مرهوناً، على نحو يومي وشفاف، بالدعم الروسي والمدد الإيراني – الحزب اللهي.
وتتوزع المسؤوليات عما آل الوضع إليه على قوس قزح واسع من الأطراف والقوى، منها الثورة نفسها ومنها «المجتمع الدولي» ذاته. لكن توزيع المسؤوليات هذا لا يحل مشكلة التحلل الذي يعانيه اليوم الداخل السوري ووطنيته المفترضة، ما بين أزمة إقليمية، فوق وطنية، تعتصره من جهة، وأزمة تفتت، دون وطنية، تعتصره من جهة أخرى. لقد انتهينا إلى وضع من عدم الانقشاع السوري ما بين واشنطن وموسكو وطهران ولندن وبكين، و«النصرة» و«داعش» و«العمال الكردستاني».. إلخ.
وهذا ما يعني، بين أمور أخرى، أن النظام السوري يحقق، فيما هو يتداعى ويموت، نصراً مبيناً. ذاك أن هذا النظام لم يقم على شيء قيامه على نفي الوطنية وتدميرها، متأرجحاً بين عروبة الأوهام الجميلة في أزمنة الثرثرة والراحة وبين المنطقة والطائفة في أزمنة الجد.
والحال أن عداوة ذاك النظام للوطنية تكاد ترقى إلى غريزةٍ سبق أن عمل على تعميمها في لبنان والعراق وبين الفلسطينيين، مكافحاً كل محاولة تظهر في أي من تلك البلدان لإحداث شيء من التشكل الوطني. ومن مكافحة «العرفاتية»، إلى مساعدة الإرهابيين على التسلل إلى العراق، إلى مقتل رفيق الحريري في لبنان، تأسس سجل حافل يرقى إلى مدرسة في «السياسة».
في هذا المعنى يمكن النظر إلى الانتصارية الخرقاء التي يعبر عنها بشار الأسد في مقابلاته الصحافية الأخيرة. أما سوريا نفسها فتبتلعها علامة استفهام تكبر يوماً بعد يوم.
* نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية