سوف أبدأ حديثي اليوم بشيء مما أحسبه في خاطري وخاطر المواطن البحريني الأصيل، ففي هذا التوقيت من عمر الوطن نكاد نعبر أقوى منعطف تعرضت له البحرين ربما في التاريخ الحديث، والفضل أولاً وقبل أي شيء للواحد الأحد سبحانه، هو المنجي وهو الناصر، وهو الذي بفضل منه سبحانه حفظت البحرين رغم خيانات الداخل ومؤامرات الخارج، بما فيها الدول العظمى، إلا أن إرادة الله فوق كل كيد البشر ومؤامراتهم.
يكاد يكون شعور المواطن البحريني اليوم حتى من بعد انقضاء وانهزام واندحار أيادي الغدر والخيانة، أن ما نريده اليوم هو أن تعود لنا البحرين، البحرين التي نعرف، البحرين التي في وجدان كل مواطن، البحرين التي لا تخشى فيها شيء في خروجك ورواحك، ولا تخشى على أهلك، البحرين التي كان أهلها ينامون وأبواب بيوتهم مفتوحة أو موصدة دون إغلاق.
كلنا وجميعنا نبحث عن معيشة أفضل وحياة أفضل، هذه طبيعة الإنسان، وسنظل نطالب بما نجده في مصلحة الناس، ونعبر عن شعورهم ومعاناتهم، هذا أهم أدوار الصحافة، لكن مع كل هذه المطالبات تأتيك أصوات وطنية تقول لك نريد الأمن أولاً، ونريد البحرين التي نعرف وعشنا بها أولاً، ومن بعد ذلك نريد تحسين المعيشة.
لو تحسنت المعيشة وارتفع الدخل، لكنك لا تأمن على نفسك ولا على أهلك في خروجهم من البيت، فماذا يعني لك ارتفاع الدخل؟
ماذا يعني لي ولك ارتفاع الدخل وبلدي قد أفقدها، كما حدث في بلدان عربية أكبر منا عدة وعتاداً وجيوشاً، والمشهد أمامكم.
نطالب كمواطنين بأمرين هامين متلازمين؛ الأول أن يفرض الأمن فرضاً بسلطة القانون وهيبة الدولة، وأن تطبق توصيات المجلس الوطني دون تأخير، والثاني أن تسعى الدولة إلى تحسين المعيشة وزيادة الدخل وزيادة الاستثمار، وجعل البحرين التي تمتلك موقعاً تحسد عليه في وسط الخليج وجهة سياحية أولى على الأقل لدول الجوار، وهذا يكفينا.
لن يصعد الاقتصاد، ولن تتاح فرص عمل والإرهاب يضرب البحرين، لن يأتي سواح والأمن مفقود، لذلك قلنا إن الأمن أهم مطلب لأهل البحرين، حتى قبل تحسين المعيشة.
كنت أحسب أني سأكتب مقدمة بسيطة قبل أن أعرج على خطاب جلالة الملك حفظه الله، فوجدت نفسي انتهي إلى هنا.
في خطاب حمد بن عيسى -حفظه الله- أمس أمام السلطة التشريعية جاءت إشارات وتأكيدات وثوابت لا تخطئها العين؛ أول هذه الإشارات التي وجدت أنها جاءت في ثنايا الخطاب هي وحدة الحكم التي تأصلت وتأكدت وقويت أكثر من ذي قبل بسبب ما مررنا به من أحداث، فقد قدم جلالته الشكر للحكومة الموقرة ولصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان، ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد حفظهما الله.
فقد حاولت أطراف وتحاول بين فترة وأخرى لنشر الإشاعات والأكاذيب للنيل من وحدة الحكم في البحرين، ولم يتحقق لهم ذلك، وظهر واضحاً وجلياً، كم هي قوية وحدة الحكم ولله الحمد، فالمجتمع يستمد وحدته وقوته وصلابته من وحدة الحكم.
تأكيد جلالة الملك أن التجربة البحرينية نابعة من الداخل البحريني ومن صميم إرادة الملك، وأن تجربتنا لم تستوح توجهاتها من أي مصدر غريب عنها، وهذا الأمر فيه رسالة واضحة وجلية.
تأكيد الملك أن الإرادة الوطنية لدى رجال ونساء البحرين حققت انتصاراً كبيراً وقوياً على من أراد المساس بقيمنا ووحدتنا الوطنية والإخلال بالأمن، وهذه أيضاً رسالة واضحة في الخطاب.
تحدث جلالته عن تطوير التجربة الديمقراطية وزيادة الصلاحيات الرقابية للمجلس المنتخب وتفعيل مبدأ المساءلة السياسية ودعم الاستقلال المالي والإداري للسلطة القضائية، وهنا يجب أن نقول إن للمجلس صلاحيات أقرها حوار التوافق الوطني، لكن أعضاء المجلس المنتخب لم يستثمروها، ولم يفعلوا مبدأ المحاسبة والمساءلة للوزراء الذين ارتكبوا كوارث، ومازالوا من دون محاسبة من المجلس المنتخب.
كما أكد جلالة الملك أن الحل في الحوار والتوافق الوطني، وهذا أيضاً أكده سمو رئيس الوزراء ذات مرة، وأكده سمو ولي العهد في حواره أمس مع صحيفة الشرق الأوسط، حيث قال: «إن من لا يبحث عن التوافق سيفشل فشلاً ذريعاً».
لا تغيب عن وجدان وعن خطابات جلالة الملك القضية الفلسطينية، ودائماً ما يؤكد جلالته أنها قضية العرب والمسلمين الأولى، وهذا بعد قومي وعربي وإسلامي في خطاب جلالته حفظه الله وحفظ البحرين من كل مكروه ومن كل يد آثمة تحاول الغدر بالمجتمع البحريني.