أصبحت الجنازة وما بعد الجنازة بالنسبة للوفاق غنيمة؛ حين تكون هذه الجنازة تقريراً مطولاً ومصوراً تضيفه الوفاق إلى تقاريرهـــا وتصاويرهــا، حيث تبدأ مراسيم هذه الجنازة من مشاهد الصراخ والعويل لأهالي الميت دون مراعاة لحالتهم ولا لحزنهم على فقيدهم، ولا مراعاة لحرمة ميت أصبح أمره بينه وبين الله، وذلك من أجل تجارة الأموات التي برعت في صناعتها الوفاق، والتي تتعمد من خلالها إثارة حقد أبناء الشيعة على الدولة، وكسب التعاطف الدولي من خلال عرض هذه الصور في المؤتمرات والمنظمات لكسب التأييد، حيث لا يمكن أن تكون للوفاق قضية دون قوائم الموت، لذلك اجتهدت الوفاق بأن تجعل من كل ميت شهيداً مهما كان سبب موته.
ومازلنا طبعاً في الحديث عن أمريكا التي بدأت بالظلم، والبادي أظلم، إذاً فلا بد أن نظهر شيئاً من انتهاكها لحقوق الإنسان، ليس الإنسان حياً فقط بل ميتاً أيضاً، وها هي جثة أحد المشتبه بهم في تفجيري بوسطن لا تجد قبراً لتدفن فيه، أما في ما يتعلق بدفن جثة تسارناييف، الذي قتل خلال مواجهة مسلحة مع الشرطة، فقد ذكر بيتر ستيفين، الذي يهتم بجنازته، أنه يجد صعوبة في العثور على مقبرة تقبل دفنه في الولايات المتحدة، وأضاف ستيفين: «أعتقد أن المقابر التي اتصلنا بها ربما تخشى من رد الفعل، أظن أن الكثير من الناس لا يتفهمون الموقف، ومن الواضح أننا أمام مشكلة عاطفية»، كما نقلت وكالة الأنباء الروسية «نوفوستي»، عن والد الميت أنه وزوجته يرغبان في دفن ابنهما الأكبر في داغستان، وأنه يسعى إلى جمع المال لإعادة جثة ابنه ولكن السلطات الأمريكية تعوق الأمر.
لم يقتصر انتهاك حقوق الإنسان في أمريكا على جثة تسارناييف، بل حتى علـــى أبنائها الذي قدموا أرواحهم فداء لكبرياء أمريكا، جنودها الذين قضوا في أفغانستان والعراق، حيث تعرضت القوات الجوية لانتقادات شديدة بعد الكشف عن إلقاء بقايا رفات ما لا يقل عن 274 جندياً أمريكياً في مقلب للقمامة بولاية فرجينيا؛ نعم مقلب للقمامات لأبنائها الذين قدمتهم قرباناً لكبريائها، فإذا بها ترمي برفاتهم ليس في قبور بل رمتهم كما ترمى القمامة.
هذه أمريكا التي تواسي الوفاق في الموتى الذين ماتوا ميتة طبيعية، في الموتى الذين تخترع لهم قصصاً وحكايات كي تصنع منهم شهداء في دولة تحترم الإنسان حياً وميتاً، في دولة تنكس أعلامها وتعلن الحداد عندما يسقط قتيل هاجم رجال الشرطة، دولة تفسح الطريق للجنازة التي كتب عليها زوراً أنه شهيد قتل بيد قوات الأمن، دولة تبحث وتتقصى في أسباب الموت الحقيقية وتقبض على المجرمين الحقيقيين، ولكن الوفاق تعلن أنه سقط شهيد، وذلك لأن أمريكا تقدم لها دعماً لتجاوز مرحلة الخفاء إلى العلن، وذلك حين وقف رئيسها يتحدث عما يحدث في البحرين، متجاهلاً ومتعامياً ما يحدث في سوريا والعراق، حيث ترمى جثث الأطفال والنساء والرجال في القمامة، كما رُمي رفات جنوده في مقلب للقمامة، يقف متضامناً مع الانقلابيين الذين شرع جرائمهم، في الوقت الذي يحرم على مشتبه به في تفجير بوسطن أن يوارى التراب، وذلك لما يثير دفنه من عواطف أهالي الضحايا الذين سقطوا في تفجير بوسطن، أما ضحايا التفجيرات في البحرين من رجال أمن ومواطنين وأجانب فليس لمشاعر أهلهم وأصحابهم حساب، ولا يشكلون حالة عاطفية لأمريكا ولا للمجتمع الدولي، لأن ذلك يتعارض مع موقف أمريكا من البحرين، حيث تدعم الوفاق في مؤامرتها الانقلابية ضد الحكم الخليفي.
لذلك نــرى مشاهــــد الجنـــازات أصبحـــت مناسبات بسبب المساحة التي تركتها الدولة والحرية في انتقاء القبور والمقابر واختيار الطريق، وما يصاحب الجنازات من أعمال تخريب وإرهاب، ترتبك فيها الشوارع وتتعطل المصالح بسبب جنازة ميت أعطته الوفاق صك الشهادة، وإن كان سبب موته جلطة أو مرض الإيدز، فالأمر متروك لتقدير الوفاق، لأن الحرية في البحرين بلا حدود، حرية تقدمها الدولة عملاً بشريعة الإسلام التي جعلت للميت حرمة، حرمة الميت التي لا تعرفها أمريكا ولن تعرفها أبداً، لأن الموت بالنسبة لها حياة وامتداد لجبروتها، ومثلها الوفاق التـي تجـــد فـــي موت أبناء الشيعة حياة تجدد منها خيوط مؤامراتها الانقلابية، لذلك لا نستغرب من جنازات الوفاق التي أصبحت أشبه بالمواكب الكربلائية، ولا نستغرب حين لا تجد جثة مشتبـــه به في تفجيرات بوسطن قبراً في أمريكا، لأن الشعب الأمريكي ينظر إليه كإرهابي قتل أبناءهم بينما في البحرين تزفه الوفاق كشهيد وشاهد على أن البحرين دولة إرهابية على أمريكا أن تغزوها.