اجتاحت ظاهرة شيوع الحديث عن السياسة العالم العربي، بشكل لافت، بعد أحداث ما كان يسمى «الربيع العربي» الذي تنازلت غالبية الشعوب عن وصفه بالربيع ماعدا «قناة الجزيرة» طبعاً!!، وهذه الظاهرة في حقيقتها ظاهرة غير صحية، إذ يهتم عامة الناس بشؤونهم الخاصة وأمورهم الذاتية ويتركون موضوعات السياسة للمهتمين بها من الكتاب والإعلاميين والمعنيين بها من الأحزاب والشخصيات الطامحة في العمل السياسي، ولا يشيع الحديث عن القضايا السياسية إلا في مناسباتها الخاصة مثل الانتخابات أو الاستفتاءات أو الكوارث.
كشفت أحداث «الربيع العربي» العاصفة عن مشكلات سياسية غائرة في مجتمعاتنا العربية، كانت هي سبب الفوضى السياسية الحالية وانتهت أغلب الأحداث إلى تثبيتها وترسيخها!!
أكبر تلك المشكلات فساد العديد من الأنظمة العربية وتراكم أخطاء الماضي وتجريف الأحوال السياسية والاقتصادية في بلداننا العربية. ثم تناقضت مشكلة فساد الأنظمة مع فساد العديد من الحركات المعارضة التي قفزت على أمواج «الربيع العربي»، وتواطأت مع المشاريع الغربية للوصول إلى سدة الحكم لا غير.
وزاد من تعاسة المواطن العربي عجز النخب السياسية والثقافية غير الفاسدة (مبدئياً)، وضعف استعدادها لمواجهة الأزمة الراهنة وقصور إمكاناتها عن خلق بديل للتناقضات الحادة التي دخل العالم العربي فيها، وافتقادها من حيث الأساس لمشروع سياسي أو برنامج عمل ينتشل الوطن العربي من مشاكله وينتزعه من بين فكي الفساد (الأنظمة والعارضة). هذا الانكشاف أدخل المواطن العربي المثقف والبسيط في دوامة (الخوف الجماعي) على النفس والوطن والمستقل، وانساق المواطن في حالة من الشك في الجميع وفقدان الثقة في ما يطرح ويقال ويناقش، وتوقع الأسوأ دائماً، خصوصاً مع عدم شفافية جميع الأطراف (الأنظمة، المعارضات، النخب السياسية والثقافية)، وتعاملهم مع القضايا الوطنية ومع الشأن السياسي باعتباره حكراً عليها وتعاملهم مع عامة المواطنين بمنطق الوصاية والتعالي.
وفي ظل ندرة المعلومات حول مجريات الأحداث داخل الوطن، وانغلاق أبواب الحوارات والنقاشات على الثالوث المتحكم في البلاد والعباد، وفي ظل فقدان الثقة في مصادر التصريحات والتحليلات أخذ المواطن العربي البسيط يبحث عن المعلومات بنفسه من الصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي. وصار يربط بين القضايا ويحلل الأحداث بنفسه، كي يرسم أفق التوقعات ويقي نفسه شر المفاجآت، أو على أقل تقدير، كي يكون مستعداً لكل الصدمات.
ومع هدوء موجة «الربيع» تحورت ظاهرة حديث الناس في السياسة من الحديث عن الشأن العام والإقليمي إلى الحديث عن تفاصيل الشأن الداخلي، ولكن بلغة أكثر إحباطاً ويأساً. فصارت الناس تتبع قصص الفساد وصعود الفاسدين، وصارت تناقش تواطؤ الأحزاب السياسية ولهاثها خلف مكاسبها ومحاصصاتها، وأصبحت مشكلة تدهور الأحوال داخل البلدان، سواء الخدمية أو التنموية حديث المجالس اليومي الذي يجتره الجميع ولا يرجو منه فرجاً لأن جميع الطرق سدت إلى اللاشيء وكل الأطراف تبحث لها عن موقع في الاستثمارات السياسية، وآخر اهتمامات الجميع، كما يبدو، هو الوطن والمواطن.
الحديث عن السياسة في قضاياها الكبرى انقلب إلى الحديث عن الأداء السيئ للمشتغلين في السياسة وعن تدهور القضايا الوطنية الصغرى، وصار الاستياء هو السمة العامة لأحاديث الجميع. وافتقدت الأحاديث طرح البدائل أو ترجيح من يمكنه أن يغير مجريات الوضع نحو الأفضل.
هذا هو حالنا.. وهذه انشغالاتنا، فانتبهوا لأنفسكم.. عم تتحدثون؟ وكم يستغرق منكم هذا الحديث؟!!
{{ article.visit_count }}
كشفت أحداث «الربيع العربي» العاصفة عن مشكلات سياسية غائرة في مجتمعاتنا العربية، كانت هي سبب الفوضى السياسية الحالية وانتهت أغلب الأحداث إلى تثبيتها وترسيخها!!
أكبر تلك المشكلات فساد العديد من الأنظمة العربية وتراكم أخطاء الماضي وتجريف الأحوال السياسية والاقتصادية في بلداننا العربية. ثم تناقضت مشكلة فساد الأنظمة مع فساد العديد من الحركات المعارضة التي قفزت على أمواج «الربيع العربي»، وتواطأت مع المشاريع الغربية للوصول إلى سدة الحكم لا غير.
وزاد من تعاسة المواطن العربي عجز النخب السياسية والثقافية غير الفاسدة (مبدئياً)، وضعف استعدادها لمواجهة الأزمة الراهنة وقصور إمكاناتها عن خلق بديل للتناقضات الحادة التي دخل العالم العربي فيها، وافتقادها من حيث الأساس لمشروع سياسي أو برنامج عمل ينتشل الوطن العربي من مشاكله وينتزعه من بين فكي الفساد (الأنظمة والعارضة). هذا الانكشاف أدخل المواطن العربي المثقف والبسيط في دوامة (الخوف الجماعي) على النفس والوطن والمستقل، وانساق المواطن في حالة من الشك في الجميع وفقدان الثقة في ما يطرح ويقال ويناقش، وتوقع الأسوأ دائماً، خصوصاً مع عدم شفافية جميع الأطراف (الأنظمة، المعارضات، النخب السياسية والثقافية)، وتعاملهم مع القضايا الوطنية ومع الشأن السياسي باعتباره حكراً عليها وتعاملهم مع عامة المواطنين بمنطق الوصاية والتعالي.
وفي ظل ندرة المعلومات حول مجريات الأحداث داخل الوطن، وانغلاق أبواب الحوارات والنقاشات على الثالوث المتحكم في البلاد والعباد، وفي ظل فقدان الثقة في مصادر التصريحات والتحليلات أخذ المواطن العربي البسيط يبحث عن المعلومات بنفسه من الصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي. وصار يربط بين القضايا ويحلل الأحداث بنفسه، كي يرسم أفق التوقعات ويقي نفسه شر المفاجآت، أو على أقل تقدير، كي يكون مستعداً لكل الصدمات.
ومع هدوء موجة «الربيع» تحورت ظاهرة حديث الناس في السياسة من الحديث عن الشأن العام والإقليمي إلى الحديث عن تفاصيل الشأن الداخلي، ولكن بلغة أكثر إحباطاً ويأساً. فصارت الناس تتبع قصص الفساد وصعود الفاسدين، وصارت تناقش تواطؤ الأحزاب السياسية ولهاثها خلف مكاسبها ومحاصصاتها، وأصبحت مشكلة تدهور الأحوال داخل البلدان، سواء الخدمية أو التنموية حديث المجالس اليومي الذي يجتره الجميع ولا يرجو منه فرجاً لأن جميع الطرق سدت إلى اللاشيء وكل الأطراف تبحث لها عن موقع في الاستثمارات السياسية، وآخر اهتمامات الجميع، كما يبدو، هو الوطن والمواطن.
الحديث عن السياسة في قضاياها الكبرى انقلب إلى الحديث عن الأداء السيئ للمشتغلين في السياسة وعن تدهور القضايا الوطنية الصغرى، وصار الاستياء هو السمة العامة لأحاديث الجميع. وافتقدت الأحاديث طرح البدائل أو ترجيح من يمكنه أن يغير مجريات الوضع نحو الأفضل.
هذا هو حالنا.. وهذه انشغالاتنا، فانتبهوا لأنفسكم.. عم تتحدثون؟ وكم يستغرق منكم هذا الحديث؟!!