ها نحن قد وصلنا إلى الحال التي حذر منها سمو ولي العهد في بداية الأزمة؛ أعداد الذين يفقدون حياتهم بسبب إصرار البعض على رأيه تزداد، وصرنا نسمع في كل يوم عن سقوط جرحى وأحيانا قتلى، وتعرض أبرياء لمخاطر، ونسمع أخباراً ونقرأ تغريدات عن مظاهرات واعتصامات تنتهي بمواجهات مع رجال الأمن تسفر عن مزيد من الآلام ومزيد من التعقيد لمشكلة يفترض أنها قابلة للحل في بلاد تزخر بالمتعلمين والمثقفين، وظلت على مدى التاريخ مدرسة في فن التسامح.
هذا يحدث اليوم في البحرين التي ظلت طويلاً هادئة وظل أهلها منشغلين بتطوير حياتهم وبناء مستقبل وطنهم وأبنائهم. فبعد السنين الطويلة التي عاشها هذا الشعب الجميل بكل أطيافه وألوانه وهو على قلب رجل واحد؛ ها هو يتحول إلى حدث تتسابق الصحافة العالمية على نشر الأخبار عنه، وتتسابق الدول القريبة والبعيدة على التدخل في شؤونه.
في بداية الأزمة وبعد فقدان شابين لحياتهما بسبب الأحداث التي بدت مفاجئة وغريبة على البحرين وظالمة لها ضمن ما سمي بالربيع العربي؛ نبه سمو ولي العهد إلى أن الاستمرار في هذا التوجه سيرفع العدد إلى عشرين والعشرين إلى مائتين. وهكذا كان؛ فعلى مدى السنتين ونيف الماضيات فقد أكثر من مائة بحريني حياتهم بسبب هذه الأحداث التي لن تكتفي بذلك لو استمرت؛ إنما ستأتي على اليابس والأخضر وسيتضرر منها الجميع، أو بالأحرى ستزداد مساحة الضرر التي صارت تشمل الجميع من دون استثناء.
الاستمرار في هذا الطريق يعني استمرار سقوط الأبرياء واستمرار الضرر غير المقتصر على الأفراد، فهو يشمل الاقتصاد ويشمل كل الوطن وكل مناحي الحياة. لا بد من لحظة نستعيد فيها الوعي فنفكر بطريقة مختلفة وإلا ستزداد خسائرنا وتتسع جراحنا وتتعمق وتتعقد مشكلتنا، فلا نتمكن من حلها بعد ذلك.
الحال التي صرنا فيها لا تبشر بالخير، واستمرارها يعني فقدان الأمل في حل يرضي جميع الأطراف، لذا لا بد من العمل على وضع النقطة في نهاية السطر وإلا شملت الخسارة الجميع وخسرنا هذا الوطن الذي من دونه لا قيمة لنا ولا مستقبل ولا حياة.
لا مفر من وضع حد لهذا الذي يحدث، ولا مفر من الجلوس إلى طاولة الحوار لنستمع إلى بعضنا البعض ولنعمل على توسيع المساحة المشتركة بيننا قبل أن تضيق فلا تكون بيننا مشتركات. كما لا بد أن تتاح الفرصة للعقلاء والحكماء من أبناء هذا الوطن -وهم كثر- ليدلوا بدلوهم ويعملوا قبل أن ينتهي كل شيء فيصعب حتى العودة إلى ما نحن فيه اليوم، ذلك أنه كلما امتدت المشكلة في الزمن تعقدت واستعصت على الحل.
المفارقة أن الجميع يتألم والجميع يتمنى البحث عن مخرج والوصول إلى حل والجميع يقول ويقول، لكن لا أحد يريد أن يعمل أو يسهم في الحل، ويعتقدون أن الحل يجب أن يأتي من الحكومة فقط، وهذا تفكير غير صحيح. الجميع صار مراقباً ومتابعاً لما يدور من حوله وكأننا نشاهد فيلماً من أفلام الأكشن أو نتابع مباراة كرة قدم في استاد رياضي.
هذه السلبية التي صرنا فيها وصارت تتحكم فينا ستكلفنا وطناً من أجمل الأوطان وأروعها، والاستمرار في عنادنا وإصرار كل طرف على رأيه وموقفه وعدم استعداد أحد منا لتقديم التنازلات سينتهي بتفرقنا وتحكم الآخر فينا.
لكل هذا حرص جلالة الملك أن يضمن كلمته السامية بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الثالث للمجلس الوطني مجموعة المبادئ التي هي البحرين وروحها، فأكد نهج التسامح والتعايش مع مختلف الطوائف وأكد بقاء مبدأ الحوار من أجل التوافق حاضراً بيننا.