في حين كنت أتابع برنامجاً وثائقياً حزائنياً عن أفغانستان في إحدى القنوات الإخبارية، تحت عنوان «الحياة في أفغانستان»، لم يخطر في بالي أن يكون هذا هو العنوان الأنسب للحلقة، بل رأيت أن «الموت في أفغانستان» هو أفضل ما يناسب تلك الحلقة تحديداً.
لا أعتقد أن دولة مغمورة وأليفة ومنسية كأفغانستان، والتي تعدّ من الدول المركونة جانباً في حوض آسيا، تستحق كل هذه الوحشية المنظمة من طرف القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية الكبرى، وذلك منذ نهاية سبعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، فما يلاقيه الأفغان من حروب ونزاعات وصراعات دموية وحشية، هو أكبر بكثير من طاقة شعب لا يجد قوت يومه حتى بين المزابل، فطيلة العقود الأربعة الماضية، لم يدفع فاتورة الموت الأفغاني سوى المدنيين منهم لا غير.
في التقرير الصادر من بعثة الأمم المتحدة المساعدة في أفغانستان، يشير أن عدد القتلى من المدنيين في الأشهر الستة الأولى من العام 2010 فقط حوالي 3286 قتيلاً كلهم من المدنيين، أما في العام 2012 فقد وصل عدد المقتولين في أفغانستان إلى نحو 2754 مدنياً، وهي كلها تدخل تحت حيز «جرائم ضد الإنسانية».
تشير التقارير كذلك بأن جرائم الحرب التي يتم ارتكابها خلال النزاعات المسلحة الدولية أو الأهلية تعتبر انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني في أفغانستان، حسب مارني إيلسبيث، المستشارة القانونية لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي بدورها أوضحت أن جرائم الحرب تشمل القتل العمد والتعذيب للأشخاص المحميين «كالمقاتلين الجرحى أو المرضى وأسرى الحرب والمدنيين»، واستخدام الأسلحة أو أساليب الحرب المحظورة، وسوء استخدام الشعار المميز للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو أية علامات حماية أخرى، «وتشمل الانتهاكات الخطيرة الأخرى لحقوق الإنسان، والتي يتم التبليغ عنها خلال الحروب أو خلال الاضطرابات الاجتماعية، الجرائم ضد الإنسانية التي تشمل القتل والتهجير والسجن والتعذيب والاعتداءات الجنسية والمحاكمات على أساس ديني أو عرقي أي غيرهما من أشكال التمييز».
كل ما يخطر ببالكم من تعذيب وفقر وتجهيل وجوع وتشريد وذبح للطفولة وقطع أعضاء وتشويهات ودموع وويلات وظلام دامس وفقدان الأمن والأمان والصحة والعيش الكريم، إضافة لترويع الآمنين وهدِّ المنازل فوق رؤوسهم، هذا وأكثر ما يجري أمام الدنيا في أفغانستان، ومن هنا كان عنوان «الموت في أفغانستان» هو العنوان الأفضل لهذه الدولة التي لم ترتكب أي جرم سوى أنها دولة تسكن بين الجبال المتوحشة، ولا تتمتع بنعمة النفط والذهب.
مناظر تفوق الألم عرضها البرنامج الخاص بأفغانستان، وقضايا إنسانية تصلح لأن تكون مواد دسمة لروايات عالمية كالبؤساء، أما مسألة أن تعود هذه الدولة التي أفسدها الدهر فلا يستطيع العطار أن يصلحها إلى موضعها الطبيعي بين الدول ضرب من المستحيل، أما حين يكون العطار هو المفسد، فإن أفغانستان ستظل تتألم حتى تموت، لكن والله ثم والله ستظل مناظر الأطفال الصغار الذين تتشح وجوههم بالحزن وهم يسيرون بأطراف صناعية بين الطرقات المظلمة في كابول، وصمة عار على جبين الإنسانية، وبالخصوص على جبين الغرب المارق والدول الكبرى الفاسدة التي ساهمت بصورة مباشرة في هذا العار الذي لن ينساه التاريخ، وسجل يا تاريخ.