يا جماعة الخير «لا يجوز» ما يحصل، إن كنا بالفعل نريد الخير للبحرين وننشد مصلحتها، علينا أن نضع هذه المصلحة «فوق.. فوق.. فوق» أي اعتبار آخر.
لا تجب مجاملة أي كان لو أخطأ بحق البلد، لا يجب التغاضي عن أي تقصير لوزير أو تهاون لمتنفذ أو مسؤول، مصلحة البلد واتخاذ القرار السليم لا يجب أن تكون مبنية على أساس من يكون الشخص.
مشكلتنا في البحرين -وهذا واقع مشاهد ومعروف- أن الإجراءات تتعطل، والمحاسبة تشل حينما ترتبط بشخصيات معينة، سواء وزراء، مسؤولين وغيرهم، ونحن في بلد صغيرة وكل يعرف تماماً ما نعنيه هنا.
لا يجوز أن تسقط المحاسبة عن مسؤولين فقط لأنهم إما محسوبون على عوائل معينة، أو لأن فشل بعضهم يعني انتقاصاً لرؤية من وضعه ومنحه الثقة، أو لأن هذا ولد فلان بن فلان، أو لأن ذلك عزيز علينا أو لأن غيره «ما قصر مع البلد»، في مقابل أن ما يصدر عنهم يضر البلد في نهاية المطاف.
اسمحوا لنا على الصراحة، فالصادق معك هو من يتكلم بشفافية وصدق، ونحن ندرك أن «الصج يعور» مثلما نقول بلغتنا الدارجة، لكنه أفضل من «النفاق» و«التلون» و«الكذب» و«الرياء»، لأن كل ما سبق لا يخدم ولا ينور البصيرة ولا يشور بالصدق والعدالة، بل يساهم في تغييب الحقائق وتزوير الواقع.
كم من مسؤول «ثابتة» عليهم قضايا استهتار إداري ومالي «خرج منها» مثلما تخرج «الشعرة من العجين»؟! فقط لأنه محسوب هنا أو هناك، أو لأنه ابن فلان، أو لأن لديه موقفاً سابقاً اعتبر إيجابياً؟!
هناك من «نافق» الدولة يوماً وألقى القصائد والشعر وكلمات الغزل والتمجيد فكوفئ بمزايا وعطايا ومناصب، وحينما دقت ساعة الحقيقة قام وضرب الدولة بـ «خنجر» في ظهرها، وقام وشتم رموز البلد الذين كان يتغزل بهم!
الفكرة هنا، بأن الدولة تقوم بكثير من الأمور لأشخاص في مقدمتها وضعهم في مناصب ومنحهم مسؤوليات ومزايا وغيرها، في حين هؤلاء الأشخاص لا يقومون من جانبهم بخدمة البلد بل يسيئون لها إما بمواقف أو تخبطات إدارية أو فساد مالي أو أداء يجر على الدولة الانتقادات اللاذعة ويثير الرأي العام.
خير من استأجرت القوي الأمين، هذه جملة ذكرت في القرآن الكريم، والله لو تمثلنا بها لكان وضعنا أفضل، لما رأينا تقارير رقابة مالية بهذا الحجم، ولما سادت في أوساط المجتمع حالات تذمر واستياء لتأثير كل هذه التخبطات على حياة المواطن في النهاية، فلا مشاريع تستهدف تحسين وضعه ورفع مستواه ستتحقق طالما هناك في جانب آخر من يعيث الفساد والخراب ويهدر المال العام ثم لا يحاسب ويترك ليواصل ما يفعله والنتيجة «الحفرة السحيقة» المسماة «الدين العام» تكبر وتزيد.
مما أذكره من مناقشات سابقة مع مسؤولين بشأن فساد موظفين لديهم ولماذا لا يقالون أو يحاسبون أو يفضحون حتى يكونوا عبرة لغيرهم، كانت تأتيني ردود يندى لها الجبين، وهي ردود «تفشل» بصراحة ولا يجوز أن تقال في دولة تقول إنها تطبق القانون والناس أمامها سواسية وإن لكل مجتهد نصيب ولا اعتبارات للواسطة والتمييز وغيرها. من ضمن هذه الردود أن يقال: هذا موصين عليه! هذا ولد فلان! هذا من العائلة الفلانية! هذا ولدهم! هذا ما قصر ويانه! هذا عزيز علينه!
يا جماعة الخير، لا يوجد «أعز» من البحرين، ولا يوجد «ولد أغلى» من البحرين، ولا يجب أن يقال «هذا ما قصر» لأن خدمة البلد والدفاع عنها «واجب» لا «منة وجميل».
البحريـــن هـــي العزيـزة، هي التي لا تقصـــر، وهي الغالية، بالتالي تبرير «استهتار» بعض المسؤولين و«ضياع بوصلتهم» و«سوء تخطيطهم وعملهم» بناء على هذه التوصيفات أمر مرفوض تماماً، وإن كانوا ضمن هذا السياق فبادلوهم المعزة والتكريم والتقدير بأسلوب لا يأتي على حساب الدولة والمصلحة العامة.
نريد أناساً تستحق المناصب، نريد أناساً مؤهلة ومتخصصة في مجالاتها، نريد محاسبة جادة وصارمة لا تلتفت لأية اعتبارات نسب أو جمائل أو محسوبيات، نريد للبحرين أن تحصل على الأفضل، وتقارير الرقابة المالية «الدسمة» تثبت بأن كثيراً من الموجودين هم «الأسوأ» وليسوا الأفضل.
والله لو كنا نعين «الأصلح»، ولو كنا نحاسب «المخطئ»، لانصلح الحال منذ زمن!