حين خرجت جماعة الخوارج على الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قالوا كلمتهم التي استدرجوا فيها العامة، وأوغلوا بها الصدور، وجعلوا بعض العامة يصمون آذانهم عن كلام علي بن أبي طالب، فقد قالوا: «لا حكم إلا لله».
والكلمة صحيحة؛ والحكم لله من قبل ومن بعد، لكن متى استخدمت هذه الكلمة؟ ولماذا؟ وفي أي موقع؟ وعلى أي شيء أسقطت؟
الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رد على تلك المقولة برد مشهور يستخدم حتى اليوم، وهي مقولته الجميلة: «إنها كلمة حق، أريد بها باطل»..!
ما يطرحه بعض الذين يتربصون بالبحرين، ويريدون تحقيق مكاسب تعجل بالاستيلاء على الدولة عاماً بعد آخر ويوماً بعد آخر، هو ذات منطق كلمة (لا حكم إلا لله)، الكلمة جميلة وصحيحة، لكنها قيلت لمآرب وقيلت في ليس موضعها.
كذلك يطرح من يتربص بالبحرين (مطالب حق، يراد بها باطل) ويراد بها انقلاب وشيك سريع غير مكلف، ويحدث من داخل أروقة مؤسسات الدولة، فحتى الوزارات العصية تسربت إليها الأيادي حتى تمكنت من الأماكن الخطيرة فيها.
منطق (لا حكم إلا لله) هو ذات منطق (حكومة منتخبة، وبرلمان كامل الصلاحيات، قضاء مستقل، وتوزيع عادل للثروة)، كلها عناوين لا يقف ضدها أي إنسان عاقل، وإن وقف ضدها قيل إنه مع الاستبداد والعبودية (والموحدون لا يعبدون إلا الله ولا يستعينون إلا بالله) كما أن هذه العناوين تجذب الغرب وتجعلهم يقولون إن من يطرح هذه المطالب الديمقراطية إنما هو على حق ويجب دعمه وتقويته ومساندته.
حتى وإن أردنا أن يتحقق شيء من تلك المطالب كشعب بحريني، إلا أن في الغالب ما هي إلا مطالب (صورية، شكلية، ظاهرية) يريد بها من يغدر بالبحرين أن يتمكن من كل مفاصل الدولة وشل حركتها من الداخل (أكثر مما هي مشلولة الآن) انتظاراً للحظة الحاسمة للانقلاب.
كما حدث في 2011، حين فعلوا ما فعلوا، وقد كانوا مهيمنين على أجهزة الدولة والاقتصاد والتجارة والأسواق والخدمات، وبالتالي أصبحت الأرضية مهيأة للانقلاب، حتى وإن احتقظت الدولة بوزارتين كبيرتين فإن البقية في الأيادي وتحت السيطرة.
لو لم توجد بالبحرين ولاءات الخارج وتقديم الانتماء للمذهب على الانتماء للوطن والأرض والعروبة، فإن مثل تلك الشعارات الديمقراطية لا غبار عليها أبداً، إنما نحن كشعب نعرف أن هذه الشعارات تشبه تلك المقولة التي قيلت لعلي بن أبي طالب في ذلك العصر.
بعد أن هدأت زوبعة الدعوة للحوار قليلاً يتضح من المشهد الذي نراه اليوم أن هناك تفسيرات عدة، منها أن هناك من يطرح أن مثل هذه الدعوة أحدثت ارتجاجات كثيرة، وهذه الارتجاجات بينت مواقف، جعلت بعض أصحاب المواقف الموحدة يخرجون عن بعض، وجعلت من بلع لسانه ثلاث سنوات يخرج شيئاً من لسانه ليقول إنه ليس (تبعاً) وإنه سيقف ضد الحكومة..!
الذي أنا بصدده هو أنه يبدو أن هناك طرفاً يستدرج الآخر، إما أن الدولة تستدرج من يدعون أنهم معارضة، إلى ذات السيناريو وذات (الفخ) الذي نصب لهم مرتين قبل الآن.
وإما أن من يرهب بالشارع هو الذي يستدرج الدولة إلى أن يحصل على أكبر قدر من التنازلات ليحفظ بها ماء وجهه أمام شارعه.
من الذي يستدرج الآخر لا نعلم، الأيام قادمة، غير أن في أي حوار يتم في أي مكان، إنما يراد له الوصول إلى نقطة في المنتصف بين الطرفين، هذا يقدم تنازلات ويحصل بالمقابل على مكاسب، والآخر أيضاً، لكن السؤال هنا ما هي المكاسب للدولة حين تذهب إلى نقطة في المنتصف؟
لو افترضنا (جدلاً) أن ذلك سيحدث، فإن الدولة هي التي ستقدم تنازلات، وإن كانت تظن أنها ستحصل على مكاسب في تلك النقطة التي في المنتصف فهي في وهم كبير.
فالإرهاب مثلاً لن يتوقف أبداً، وأنتم ونحن نعرف أكذوبة الوفاق وتنصلاتها حين تردد علينا أنها ليست هي من تقوم بالأعمال الإرهابية، وبالتالي لن تستطيع الدولة أن تفرض عليها ترك دعمها للإرهاب.
من هنا يتضح أن أي نقطة في المنتصف، إنما هي مكسب للطرف الآخر وخسارة للدولة والمجتمع، وهنا أستبعد طرفين من المعادلة، الأول هو تجمع الفاتح، ذلك أنه في حسابات الدولة هو ليس له ذلك الحساب، ومطالبه لا تعدو مطالب تلقى من فوق منصات الفاتح في تلك الأيام الخوالي، التجمع هو من أضعف نفسه حتى خرج من حسابات الداخل والخارج، وبالتالي هذا الذي جعلني أستبعده من المعادلة الفرضية التي طرحتها.
الطرف الآخر هو جمعية الأصالة التي انشقت عن الائتلاف وممثلي السلطة التشريعية، وللأمانة وللحق؛ فإن هناك امرأتان مثلتا السلطة التشريعية في الحوار الأخير وكانتا أفضل من بعض الجماعات والائتلافات من حيث الأداء والتفنيد والوقوف في وجه الأصوات النشاز، هما الأخت الاستاذة دلال الزايد والأخت الاستاذة لطيفة القعود.
والطرف الأخير يلعب دوراً هاماً، وربما أفضل من بعض الحاضرين، وهذا أمر جيد، فالسلطة التشريعية ركن رئيس في الحوار، بل أن قاعة البرلمان هي أفضل مكان لأي حوار يطرح؛ هكذا يفترض.
كل ما تريده الدولة في تقديري الشخصي من الحوار أمران هامان؛ الأول وقف الإرهاب (رغم أنها خجولة في طرح موضوع الإرهاب) وإقامة الحجة على من يقف خلفه لاجتثاثه بالقانون. الثاني هو كسب التأييد الدولي وتحقيق سمعة طيبة لدى من تعتبرهم الدولة شركاء وحلفاء أو هكذا تسميهم الدولة، فلو افترضنا أن الثاني تحقق بشكل جزئي فإن الأول من واقع تجربة ومعايشة لن يتحقق أبداً في المستقبل المنظور.
الإرهاب لا يحتاج إلى حوار، الإرهاب يتم اجتثاثه بالقانون تماماً، وقبل أي حوار، حتى لا يأتي طرف إلى الحوار وهو يحمل عصا الإرهاب يهدد بها الدولة والمجتمع، وحتى تكون كل الرؤوس متساوية، وإلا فإن هناك خللاً كبيراً على الطاولة، وميلاً للطاولة وهذا لا يستقيم مع أي حوار يراد له النجاح.
من الذي يستدرج الآخر لا أعلم، غير أن على الدولة أن تثبت لنا أنها لا تعطي تنازلات للإرهاب حتى يملي عليها (إما المطالب، وإما الإرهاب) هذه الأسبقيات جعلت البحرين تخسر كثيراً عبر سنوات طوال، ونتمنى التعلم من الدروس.
{{ article.visit_count }}
والكلمة صحيحة؛ والحكم لله من قبل ومن بعد، لكن متى استخدمت هذه الكلمة؟ ولماذا؟ وفي أي موقع؟ وعلى أي شيء أسقطت؟
الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رد على تلك المقولة برد مشهور يستخدم حتى اليوم، وهي مقولته الجميلة: «إنها كلمة حق، أريد بها باطل»..!
ما يطرحه بعض الذين يتربصون بالبحرين، ويريدون تحقيق مكاسب تعجل بالاستيلاء على الدولة عاماً بعد آخر ويوماً بعد آخر، هو ذات منطق كلمة (لا حكم إلا لله)، الكلمة جميلة وصحيحة، لكنها قيلت لمآرب وقيلت في ليس موضعها.
كذلك يطرح من يتربص بالبحرين (مطالب حق، يراد بها باطل) ويراد بها انقلاب وشيك سريع غير مكلف، ويحدث من داخل أروقة مؤسسات الدولة، فحتى الوزارات العصية تسربت إليها الأيادي حتى تمكنت من الأماكن الخطيرة فيها.
منطق (لا حكم إلا لله) هو ذات منطق (حكومة منتخبة، وبرلمان كامل الصلاحيات، قضاء مستقل، وتوزيع عادل للثروة)، كلها عناوين لا يقف ضدها أي إنسان عاقل، وإن وقف ضدها قيل إنه مع الاستبداد والعبودية (والموحدون لا يعبدون إلا الله ولا يستعينون إلا بالله) كما أن هذه العناوين تجذب الغرب وتجعلهم يقولون إن من يطرح هذه المطالب الديمقراطية إنما هو على حق ويجب دعمه وتقويته ومساندته.
حتى وإن أردنا أن يتحقق شيء من تلك المطالب كشعب بحريني، إلا أن في الغالب ما هي إلا مطالب (صورية، شكلية، ظاهرية) يريد بها من يغدر بالبحرين أن يتمكن من كل مفاصل الدولة وشل حركتها من الداخل (أكثر مما هي مشلولة الآن) انتظاراً للحظة الحاسمة للانقلاب.
كما حدث في 2011، حين فعلوا ما فعلوا، وقد كانوا مهيمنين على أجهزة الدولة والاقتصاد والتجارة والأسواق والخدمات، وبالتالي أصبحت الأرضية مهيأة للانقلاب، حتى وإن احتقظت الدولة بوزارتين كبيرتين فإن البقية في الأيادي وتحت السيطرة.
لو لم توجد بالبحرين ولاءات الخارج وتقديم الانتماء للمذهب على الانتماء للوطن والأرض والعروبة، فإن مثل تلك الشعارات الديمقراطية لا غبار عليها أبداً، إنما نحن كشعب نعرف أن هذه الشعارات تشبه تلك المقولة التي قيلت لعلي بن أبي طالب في ذلك العصر.
بعد أن هدأت زوبعة الدعوة للحوار قليلاً يتضح من المشهد الذي نراه اليوم أن هناك تفسيرات عدة، منها أن هناك من يطرح أن مثل هذه الدعوة أحدثت ارتجاجات كثيرة، وهذه الارتجاجات بينت مواقف، جعلت بعض أصحاب المواقف الموحدة يخرجون عن بعض، وجعلت من بلع لسانه ثلاث سنوات يخرج شيئاً من لسانه ليقول إنه ليس (تبعاً) وإنه سيقف ضد الحكومة..!
الذي أنا بصدده هو أنه يبدو أن هناك طرفاً يستدرج الآخر، إما أن الدولة تستدرج من يدعون أنهم معارضة، إلى ذات السيناريو وذات (الفخ) الذي نصب لهم مرتين قبل الآن.
وإما أن من يرهب بالشارع هو الذي يستدرج الدولة إلى أن يحصل على أكبر قدر من التنازلات ليحفظ بها ماء وجهه أمام شارعه.
من الذي يستدرج الآخر لا نعلم، الأيام قادمة، غير أن في أي حوار يتم في أي مكان، إنما يراد له الوصول إلى نقطة في المنتصف بين الطرفين، هذا يقدم تنازلات ويحصل بالمقابل على مكاسب، والآخر أيضاً، لكن السؤال هنا ما هي المكاسب للدولة حين تذهب إلى نقطة في المنتصف؟
لو افترضنا (جدلاً) أن ذلك سيحدث، فإن الدولة هي التي ستقدم تنازلات، وإن كانت تظن أنها ستحصل على مكاسب في تلك النقطة التي في المنتصف فهي في وهم كبير.
فالإرهاب مثلاً لن يتوقف أبداً، وأنتم ونحن نعرف أكذوبة الوفاق وتنصلاتها حين تردد علينا أنها ليست هي من تقوم بالأعمال الإرهابية، وبالتالي لن تستطيع الدولة أن تفرض عليها ترك دعمها للإرهاب.
من هنا يتضح أن أي نقطة في المنتصف، إنما هي مكسب للطرف الآخر وخسارة للدولة والمجتمع، وهنا أستبعد طرفين من المعادلة، الأول هو تجمع الفاتح، ذلك أنه في حسابات الدولة هو ليس له ذلك الحساب، ومطالبه لا تعدو مطالب تلقى من فوق منصات الفاتح في تلك الأيام الخوالي، التجمع هو من أضعف نفسه حتى خرج من حسابات الداخل والخارج، وبالتالي هذا الذي جعلني أستبعده من المعادلة الفرضية التي طرحتها.
الطرف الآخر هو جمعية الأصالة التي انشقت عن الائتلاف وممثلي السلطة التشريعية، وللأمانة وللحق؛ فإن هناك امرأتان مثلتا السلطة التشريعية في الحوار الأخير وكانتا أفضل من بعض الجماعات والائتلافات من حيث الأداء والتفنيد والوقوف في وجه الأصوات النشاز، هما الأخت الاستاذة دلال الزايد والأخت الاستاذة لطيفة القعود.
والطرف الأخير يلعب دوراً هاماً، وربما أفضل من بعض الحاضرين، وهذا أمر جيد، فالسلطة التشريعية ركن رئيس في الحوار، بل أن قاعة البرلمان هي أفضل مكان لأي حوار يطرح؛ هكذا يفترض.
كل ما تريده الدولة في تقديري الشخصي من الحوار أمران هامان؛ الأول وقف الإرهاب (رغم أنها خجولة في طرح موضوع الإرهاب) وإقامة الحجة على من يقف خلفه لاجتثاثه بالقانون. الثاني هو كسب التأييد الدولي وتحقيق سمعة طيبة لدى من تعتبرهم الدولة شركاء وحلفاء أو هكذا تسميهم الدولة، فلو افترضنا أن الثاني تحقق بشكل جزئي فإن الأول من واقع تجربة ومعايشة لن يتحقق أبداً في المستقبل المنظور.
الإرهاب لا يحتاج إلى حوار، الإرهاب يتم اجتثاثه بالقانون تماماً، وقبل أي حوار، حتى لا يأتي طرف إلى الحوار وهو يحمل عصا الإرهاب يهدد بها الدولة والمجتمع، وحتى تكون كل الرؤوس متساوية، وإلا فإن هناك خللاً كبيراً على الطاولة، وميلاً للطاولة وهذا لا يستقيم مع أي حوار يراد له النجاح.
من الذي يستدرج الآخر لا أعلم، غير أن على الدولة أن تثبت لنا أنها لا تعطي تنازلات للإرهاب حتى يملي عليها (إما المطالب، وإما الإرهاب) هذه الأسبقيات جعلت البحرين تخسر كثيراً عبر سنوات طوال، ونتمنى التعلم من الدروس.