ما حدث في الأيام التي تلت الإعلان عن مبادرة جلالة الملك لتحريك الحوار ولقاء سمو ولي العهد مع الأطراف ذات العلاقة هو أن البحرينيين توزعوا في ثلاث مجموعات؛ الأولى -والتي يحلو للبعض تسميتها بالموالاة- شعرت بشيء من الغبن، ليس رفضاً للمبادرة، فهي تريد الحوار بل وتصر عليه، ولكن لأن لقاءات ولي العهد شملت من ظل على مدى ثلاث سنوات يتبجحون ويسبون ويتوعدون ويرفعون السقف ويتواصلون مع الخارج ولا يريدون للشارع أن يهدأ. والثانية -وهي التي يحلو لها أن تسمى بـ «قوى المعارضة» وتقودها جمعية الوفاق- شعرت بأنها تحقق تقدماً واعتبرت المبادرة انتصاراً لها وهزيمة للطرف الآخر، فهي تعتقد أن تحرك الدولة إنما جاء نتيجة ضغوطات وتهديدات من أمريكا وإيران، وبالتالي فإنها أكثر المتحمسين للحوار الجديد. أما المجموعة الثالثة -وهي تلك التي يقيم أفرادها في الخارج- فلا تزال تعيش وهم أن كل ما يجري مجرد مسرحية ومحاولات من الدولة بمعونة قوى المعارضة، وخصوصا الوفاق، لضرب ائتلاف 14 فبراير والقضاء على ما يسمونه «الثورة» والتهيئة لأنفسهم لضمان دخولهم انتخابات 2014.
من هنا شن المقيمون في الخارج هجومهم على المبادرة وقالوا عنها ما قالوا وخونوا الجميع، ومن هنا أيضاً عبر الذين شعروا بالغبن عن عدم رضاهم عن الطريقة وليس عن المبادرة نفسها، بينما اعتبر المنتمون إلى قوى المعارضة أنفسهم «نجم الحفل» وأنهم هم الذين يتحكمون الآن في العملية برمتها، ومن هنا أيضاً انقسم الجميع إلى متفائلين بنجاح المبادرة ومتشائمين يتوقعون لها الفشل.
الدولة بادرت، ولو لم تفعل لقيل إنها لم تبادر وإنها بقيت تتفرج من دون أن تتحرك، وعندما بادرت بادر الجميع بانتقادها واتخذوا من مبادرتها مواقف مختلفة. لم يأبه أحد إلى أن المبادرة عمل سياسي، والعمل السياسي يتطلب الدوس على الجراح وتحمل ما لا يطاق، وأن المبرر هو تحقيق الهدف المرسوم.
الدولة لم تبادر لأنها خائفة أو لأنها تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة أو لتهديدات من إيران أو لغيرهما، الدولة شعرت أن من واجبها تحريك الوضع ومد عملية الحوار الذي تعطل بما يحتاجه من أوكسجين، فطرحت مبادرتها ووفرت لها الظروف التي تعينها على النجاح، ومنها تكليف سمو ولي العهد بقيادتها، فخطا خطوته الأولى بلقاء المعنيين والاستماع إلى وجهات نظرهم، وتلا ذلك الخطوة الثانية بعقد لقاءات ثنائية بغية التوصل إلى توافقات تسهل عملية وضع جدول أعمال محدد يفضي سريعا إلى حلول ترضي الجميع وتخرج البلاد من هذه المحنة التي رمانا فيها أولئك الذين صدقوا في غفلة من الزمان أنفسهم وظنوا أنهم ثوار، وأنهم قادرون على بناء دولة جديدة، أعانهم على ذلك قلة خبرتهم السياسية والمساحة الكبيرة التي أعطوها لأحلامهم، فلعبت برؤوسهم وأدخلوا البلاد في مشكلات ستزداد تعقيدا إن لم تتدخل الدولة بمثل هذه المبادرة التي حصلت على تأييد من السلطتيين التنفيذية والتشريعية.
لا يمكن للدولة أن تفعل ما يهضم حق الذين وقفوا إلى جانبها ودافعوا عنها في تلك الأيام الصعبة وبذلوا الغالي والنفيس لحماية هذه الأرض وصونها، فهذا أمر لا يمكن أن يحدث أبداً، فالدولة وفية لمن ناصرها ووقف إلى جانبها في الملمات. كما لا يمكن لهؤلاء أن يقفوا ضد الدولة أو ضد مبادراتها، فهم معها ومع مبادرتها هذه وردة فعلهم كانت تلقائية وهذا أمر طبيعي وهو من حقهم.
وبالتأكيد لا يمكن أن تكون اللقاءات مع قوى المعارضة انتصاراً لها ولتوجهاتها وأهدافها، لأن هذه اللقاءات تدخل في صلب العمل السياسي ليس إلا.
في مقالاتي لهذا الأسبوع ناقشت المبدأ وليس التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان.