يقول المثل الشامي القديم «لاقيني ولا تغديني»، هذا مثل متوافق عليه رغم اختلاف الأماكن الجغرافية والعادات والتقاليد لدولنا العربية.
مثل واضح وصريح ويغني عن الدلالة والتوضيح يعني بالمختصر المفيد؛ يا أيها المدعو الكريم استقبالك للضيف مهما كان شأنه ومقامه الرفيع بوجهك المشرق المنير مع ابتسامة تعلو ثغرك الصغير تفوق عنده عزومة ولو كانت مجهزة من أصناف أعدت بالملايين.
فما تم وصفه لا يقتصر ذكره بين المدعوين والمضيفين، فلا شك أن حسن المعاملة الممزوج بالقليل من البشاشة في الترحيب يلقى الاستحسان والتقدير في وجه كل مقبل كريم باعتبار أن بعضاً يطبقون جيداً المثل المعروف «وإن أكرمت اللئيم تمردا»، ولا تجد الابتسامة مفهرسة ضمن قاموس مخهم الصدئ. فإن كان الود والترحيب وجب بين المضيفين فما بالنا بأناس يعتبر الترحيب جزءاً لا يتجزأ من عملهم اليومي، غير أنهم يعتبرون الواجهة الرئيسة لأي مكان يتواجدون فيه.
وإذا أخذنا بالتخصيص زيارة المريض وعلمنا أنها تبعث الفرحة والطمأنينة لكل من الزائر والمريض، فإن زيارة الطبيب ممكن أن تكون عكس ذلك بكثير؛ خاصة الزيارة غير المرتقبة للطبيب في ساعات متأخرة من الليل أو حتى في وضح النهار، وفي عز ما تكون أعصابك تحترق على مريضك، تجد بكل سهولة موظفة الاستقبال أو موظفة التأمين مشغولة بمكالمة هاتفية خاصة، وغير مستعدة أن تقفل جهاز التلفون أو أن تتركه جانباً لحين انتهاء الإجراءات، بل تكمل سوالفها، وممكن أن تنسى نفسها بإطلاق ضحكات صاروخية، وفي الوقت نفسه تحاول أن تسرق لحظات لكي تسألك بعض المعلومات الشخصية لكي تسجلها بملفك أو ملف المريض الشخصي.
من السهولة على موظف الاستقبال أن يكلمك بكلمات باردة وأعصاب هادئة، أو يعتذر عن إدخالك لعيادة الطبيب لأن جدول المواعيد ممتلئ؛ تشعر نفسك للحظة أنك واقف في سوبر ماركت وخيبة الأمل تخيم على وجهك عندما تعلم أن صنف الجبنة المفضل لديك نفذت كميته! فشتان بين الموقفين؛ لكن هذه حقيقة الأمر.. وما يزيد الأمر سوءًا أنه عندما تنظر حولك لا تجد أي مريض ينتظر، وعندما تسأل بأنه لا أحد في غرفة الانتظار يكون التعليل أن المرضى في الطريق! طيب فلنفكر قليلاً؛ هذا الشخص الذي قطع كل هذه المسافة ألم يأت بسبب أنه مريض؛ أم أن الأمر اعتباطي، وقرر فجأة أن يزور الطبيب ليحتسي معه كوباً من القهوة وليتناقشا في الأمور السياسية!
وأكثر المواقف التي تثير اشمئزازي عندما تمر بأحد مكاتب الاستقبال وتلتقط نصف المحادثة التي تكون بين الموظفين، ليس لأنه لديك أذنان كالخلد وتسمع دبة النملة، وإنما بسبب أنك تشعر نفسك تمر بسوق السمك وهم يردحون لبعضهم البعض. ويوجد من الأمثلة الكثير التي تثير غضب القارئين وبالأخص المسؤولين التائهين عن تصرفات المرؤوسين.
فموظف الاستقبال لا يقل شأنه عن أي موظف آخر، ولا بد أن يولى له الاهتمام والعناية، فهو يعتبر الواجهة الرئيسة لأي مكان وجد به ويعكس السياسة الداخلية لأي مؤسسة حكومية أو خاصة باعتبار أن الأمور الصحيحة تبدأ من خط البداية وليس من نهايتها.
ولتصحيح هذه الممارسات الخاطئة فنحن لسنا بحاجة إلى علم خاص أو شهادة جامعية، إنما إلى حُسن التصرف والذوق الراقي بالمعاملة، وهو ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة الناس وليس بثقافة الكتب، وإن كان البعض يجهل كيف عليه أن يعدِّل من سلوكه فلا بد من تدخل المسؤولين المعنيين بوضع سياسة تدريب تعم فائدتها على الجميع وصاحب الأمر بالتحديد.