هنالك بعض الوزراء «تحطهم على الجرح يبرى»، هؤلاء يعيشون مع الناس، فيرونهم رأي العين، ويتلمسون همومهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم، وبعض هؤلاء الوزراء أكثر تواضعاً وتسامحاً من كل موظفيهم، إذ إنك لو طلبت مقابلتهم لأتيحت لك رؤيتهم بكل يسر، أما كثير من الموظفين، الذين هم أقل مرتبة مهنية ويعملون تحت أمرة الوزير، فيتعاملون مع المواطنين وكأنهم رؤساء دول عظمى؛ لماذا؟ لأنهم «من عمرهم ما تبخروا، تبخروا واحترقوا».
وهنالك من الوزراء، ويا سبحان الله، يتكلم ويأمر وينهي ويتعالى وكأنه يريد أن يقول لنا «أنا ربكم الأعلى»، فلديه مستشارون أكثر من مستشاري رؤساء العالم، ولديه سكرتيرات وحجاب ونواطير وسكيورتيه على «أفا من يشيل»، ولديه مزيد!
هؤلاء الوزراء لم يجلسوا في حياتهم يوماً مع الناس، ولم ينزلوا إلى الشارع، ولم يتحسسوا آلام المواطنين، فأهم ما يركزون عليه ويقومون بمتابعته، أن تكون فخامة مكتبهم الشخصي هي كل شيء، ومن وظائفهم كذلك «شرشحة» العلاقات العامة التابعة لوزارتهم، إذا لم يقوموا بضرب «الباليس» كما يريدون، كما تنصب كل جهودهم في تصوير وزاراتهم على أنها مدن أفلاطونية لا تخطئ، كما إنهم لا يقومون بأي شيء سوى السفرات المخملية واستقبال كبار المسؤولين، أوكي ما اختلفنا، لكن شنو عن الناس؟ أين أنتم من قضاياهم ومشاكلهم ومعالجة الملفات العالقة منذ أعوام طويلة في أدراج مكاتبكم؟
متى تكتشف زيف الوزير وخلوِهِ من كل ما يدعيه من شرف العمل؟ تكتشف ذلك حين تحدث مصيبة كبيرة أو «بلوة» فجائية على أرض الواقع، فتشعر حينها أن هؤلاء الوزراء ووزارتهم غاطون في سبات عميق، فتظهر مساوئ كل تلك الوزارات مع أول امتحان بسيط.
من هنا نعرف، لماذا لم تتطور بعض الجوانب المهمة في البنية التحتية وربما الخدماتية، حتى وبصريح العبارة، فقد فاقتنا كثير من الدول التي كنا نصدر لها وجوه التنمية والتطور والعمران، وهي دول لا تبعد عنا سوى بضعة كيلومترات، لكنها الحقيقة التي يجب أن تقال، وهي أن اختلاف العقلية التي تدير حركة التطوير على صعيد البناء والتنمية المستدامة متفاوتة بيننا وبينهم بطريقة ملفتة «دبي نموذجاً».
إذا كان الوزير متواضعاً ومتطوراً ويحب عمله ويخلص له، فإن عطاءات وزارته ستكون كذلك وأكثر، أما في حال كان الوزير لا يعلم «وين الله قاطه» فإن شيمة أهل البيت كلهم الرقص!
لا تقف المسألة عند هذا الحد، بل سنجد في أروقة الوزارات الخائرة بوزيرها المتقاعس موظفين كسالى، لا يعملون بجد لأجل هذا الوطن، وكما قال العرب من قبل «الناس على دين ملوكهم»، ونحن نحاول أن نطور هذا المفهوم في سياقه الحديث فنقول قبل الختام «الموظفون على دين وزرائهم».