نتيجة للعوامل الثلاثة التي أشرنا إليها في المقال السابق ترتكب السياسة الأمريكية أخطاء فادحة في تضييع الفرص، والتخلي عن الأصدقاء والبطء في إدراك الواقع السياسي الحقيقي، ولهذه السذاجة ركزت عندما انهار الاتحاد السوفيتي على بوريس يلتسين، وكان مدمناً للخمر وضرب الدوما (البرلمان) الروسي بالمدافع. كما ركزت عندما انهارت القوة العربية على عناصر عربية أو عراقية أو إيرانية أو ذات أصول أوروبية، ولعلني اذكر شخصيتين لعبتا دوراً مهماً في القرار الاستخباراتي والسياسي الأمريكي، هما البروفسور برنارد لويس المستشرق والخبير ذو النزعة الاستعمارية في شؤون الشرق الأوسط، وكذلك البروفسور والي نصر، الأستاذ الأمريكي المتخصص في الاستخبارات وهو من أصول إيرانية، وكثيرون من أمثالهما.
هذا المنطق الأمريكي ينظر فقط للعالم على أنه أبيض أو أسود، معي أو مع عدوي، كما ذكر جون فوستر دالاس مدير الاستخبارات في الولايات المتحدة في الخمسينات، وكما ذكر جورج دبليو بوش الرئيس السابق إما أن تكون معي أو تكون عدوي. باختصار، إن السياسة الأمريكية لا تعرف ألوان الطيف السياسي نتيجة الاعتبارات التي أشرت إليها، ولهذا استعدت وتخلت عن الرئيس المصري حسني مبارك رغم أنه كان حليفاً لها طول 30 عاماً، كما عادت غيره دون الدخول في ذكر أسماء قادة عرب أو حتى أوروبيين، يكفي فضيحة التجسس الأمريكية على حلفائها ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما في أوروبا وآسيا.
السياسة الروسية أكثر ذكاء فهي تعيش الفكر الاستراتيجي، وكذلك السياسة الصينية تعيش فلسفة التغيير والنفس الطويل، لهذا فالولايات المتحدة تستقبل الدالاي لاما وتعادي الصين، وتقدم أسلحة لتايون وتعادي الصين، وتحتضن السياسة الأمريكية الإخوان المسلمين الذين حولت بعضهم إلى عملاء وتعادي الشعب المصري بل والشعب العربي كله وهكذا.
الشعب الأمريكي شعب عظيم رفيع الخلق صاحب همة عالية، ولكن السياسة الأمريكية أسيرة الاعتبارات الثلاثة السابقة ترتكب الأخطاء الجسام رغم ما لديها من مراكز أبحاث وأجهزة استخبارات كثيرة ومتنوعة، ولكن من يقدم لها نصيحة مخلصة لا تروق لها فتعتبره عدواً لها.
ولهذا فإنني لا أستبعد قيام الولايات المتحدة بقطع باقي المعونة عن مصر كما حدث عام 1956م، وهذا سيكون فيه فائدة مزدوجة؛ الأولى للشعب المصري لكي يعتمد على نفسه وعلى أصدقائه الحقيقيين وعلى أشقائه العرب الذين بادروا لمساعدتها، خصوصاً السعودية والإمارات والكويت والمساندة الأدبية من البحرين، والثانية فائدة للدب الروسي وربما التنين الصيني، وإن كان الأخير أكثرت تحفظاً في حركته، لأن الصين احتفظت بحضارتها، ولم تتجه للخارج والتعرف على العالم الحقيقي المتنوع الأطياف، غير مهتمة أحياناً أن السياسة الدولية تحتاج لقرار سريع في لحظات معينة، ولهذا فإنني أدعو الصين إلى أن تبادر لإثبات صداقتها الحقيقية لمصر، التي كان زعيمها جمال عبدالناصر أول من اعترف بالصين متحدياً الولايات المتحدة آنذاك وأقام معها علاقات دبلوماسية قبل غيره من الدول العربية والإفريقية.
وروسيا كسياسة وكقيادة وخاصة شخصية مثل فلاديمير بوتين ابن الشيوعية والاستخبارات، فهو أكثر إقداماً وجرأة في انتهاز الفرص التي تتاح له لقلب الطاولة على خصومه، وتحقيق المكاسب لدولته، خذ على سبيل المثال موقفه في سوريا وأفغانستان وآسيا الوسطى وأوروبا أو مع إيران أو الهند أو غيرها. إنه يدرك الأبعاد المتعددة للسياسة والأوجه المتنوعة للثقافة، ويربط بين هذه الأبعاد. وبين سرعة الحركة والتغيير لدى بوتين بشكل أفضل من كثير من قادة الدول الأخرى، ولهذا فإن أوروبا أصبحت أسيرة الطاقة المستوردة من روسيا، كذلك الصين تحولت لعلاقة استراتيجية مع روسيا، رغم ما حدث من خلافات قديمة.
السؤال إلى أين تتجه مصر؟ أقول إن مصر لن تصبح خاضعة لروسيا أو أمريكا وإنما تعطي مصالحها الوطنية الأولوية، ثم تليها المصالح القومية العربية، لارتباط الأمن المصري عضوياً بالأمن القومي العربي، وفي مقدمته الأمن الخليجي، ولن تصبح أمريكية أو روسية. إذ أن مصر حفيدة حضارة عريقة منذ الفراعنة، وتعتز بحضارتها واستقلالها وترفض الخضوع لأية دولة، إنها تتصادق وأحيانا تتحالف مع روسيا، كما في مرحلة عبدالناصر، أو مع أمريكا كما في مرحلة السادات، ولكنها تسعى للحفاظ على استقلالية قرارها خاصة عندما يمس مبادئها وأمنها الوطني أو القومي العربي. إنها مصر المعتدلة المتوسطية ذات البعد الحضاري، وذات المكانة الاستراتيجية وهذه نصيحتي كباحث مصري متخصص في دراسة الأبعاد الحضارية للسياسة سواء في مصر أو الصين أو غيرها. وقد أصدرت كتابي المعنون « دبلوماسية الحوار الدولي» من مؤسسة الأهرام عام 2003، وتناولت فيها مفهوم الحوار السياسي والدبلوماسي مع مختلف التكتلات والقوى الدولية، ومن بينها روسيا والصين والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران والهند وباكستان وأوربا وغيرها. إن الدبلوماسية المصرية قادرة على اتخاذ القرار المناسب الذي يتماشى مع مصالحها، ولعلنا نذكر ثعلب الدبلوماسية المصرية الدكتور محمود فوزي وبعده الدكتور عصمت عبد المجيد وعمرو موسى وغيرهم كثيرون.
إن مصر هي محور السياسة العربية والإسلامية، فالأزهر الذي أقامه الفاطميون تحول ليكون مركزاً إسلاميا معتدلاً يجمع المسلمين من مختلف المذاهب والطوائف، ولهذا أصبح ركيزة للثقافة الإسلامية والعربية، دون الانحياز لمذهب ديني وكذلك السياسة المصرية والثقافة المصرية، لقد كان من أكبر الأخطاء للإخوان المسلمين أنهم تصوروا أن مصر عزبة لهم، وحقاً قال بابا الأقباط الراحل شنودة «إن مصر بلد يعيش فينا»، وليست بلداً نعيش فيه، وقال البابا الحالي تواضروس «إنه لا يهتم بتدمير بعض الكنائس، فالمباني يمكن إصلاحها وإعادة بنائها، ولكن يهم حماية الأرواح المصرية الغالية، بغض النظر عن انتمائها الديني. ولهذا كان الوفاق المصري كاملاً بين شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقصية، كما هو بين الهلال والصليب منذ ثورة 1919م، بل منذ فتح عمرو بن العاص مصر، وستبقى رغم المحن. أين هذا القول الكنسي من ذلك الزعيم الإخواني الذي لا يعرف قيمة مصر وشعبها وقال بعنجهية «طظ في مصر» أو ذلك الذي قال «ما لم أصبح حاكماً على مصر فسوف أشعلها ناراً» هؤلاء هم الطغاة الجدد ورثه هولاكو أو ذاك الذي قال أعيدوا لنا الرئيس مرسي يتوقف العنف في سيناء في لحظة واحدة.
إن تحليل الوضع الواقعي استناداً للتاريخ الحضاري المصري يوضح أن مصر ترتبط عضوياً من حيث الثقافة والسياسة بقوى خمس هي؛ الشعب والجيش والأزهر والكنيسة والبيروقراطية المصرية. الشعب المصري فرعوني التراث عربي اللغة متوسطي الثقافة إسلامي الدين، والجيش المصري منذ ثورة 1881 في العصر الحديث، وهو يلتحم بالشعب ويعبر عنه ضد المحتلين وضد الطغاة من الحكام، أما الأزهر والكنيسة فهما في تلاحم رغم اختلاف الدين. فالدين لله والوطن وللجميع. وهكذا عاشت مصر الفرعونية ومصر الإسلامية العربية ومصر الحديثة، إن تغير السياسة المصرية الخارجية الآن ليس سوى تغيير توجه سياسي، وليس تغيير هوية. فالهوية المصرية ترتبط بما أسماه العالم الجغرافي المصري المشهور جمال حمدان في كتابه الموسوعي شخصية مصر المتغلغلة في جذورها الجيو-استراتيجية والثقافية، وما أطلقت عليه في أحد مؤلفاتي المشتركة مع الدكتور مجدي المتولي بعنوان «هوية مصر» وهي هوية فريدة في نوعها لا تستطيع دولة ما أن تسيطر عليها سواء كصديقة أو حليفة. هي كما قال جمال عبدالناصر «نصادق من يصادقنا، ونعادي من يعادينا». ونحن لا ننشد عداء أحد من الجيران أو الأشقاء أو أي دولة، ولكننا نحرص على الحفاظ على هويتنا وترابنا الوطني وأمننا العربي، وبعدنا الحضاري العميق في إفريقيا، ارتباطاً بنهر النيل العظيم الذي هو جزء لا يتجزأ من هذه الحضارة العريقة، ولذلك لن نخذل أو نتخلى عن إخواتنا في القارة الأفريقية، فمصر عرفناها في القديم تنتمي للجنس الحامي في أفريقيا السمراء، كما إنها في حضارتها الإسلامية أصبحت تمتزج بالجنس السامي العربي. إن هذا المزيج المصري الفريد، هو ما ينبغي على كل مصري وكل صاحب قرار في العالم أن يأخذه في الحسبان، وعلى الولايات المتحدة أن تعيد النظر في منهج تعاملاتها مع مصر، كشعب وكحضارة، وكقوات مسلحة، هذا هو المدخل الصحيح لتعامل أي دولة مع مصر المعاصرة أو مصر المستقبل.
هذا المنطق الأمريكي ينظر فقط للعالم على أنه أبيض أو أسود، معي أو مع عدوي، كما ذكر جون فوستر دالاس مدير الاستخبارات في الولايات المتحدة في الخمسينات، وكما ذكر جورج دبليو بوش الرئيس السابق إما أن تكون معي أو تكون عدوي. باختصار، إن السياسة الأمريكية لا تعرف ألوان الطيف السياسي نتيجة الاعتبارات التي أشرت إليها، ولهذا استعدت وتخلت عن الرئيس المصري حسني مبارك رغم أنه كان حليفاً لها طول 30 عاماً، كما عادت غيره دون الدخول في ذكر أسماء قادة عرب أو حتى أوروبيين، يكفي فضيحة التجسس الأمريكية على حلفائها ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما في أوروبا وآسيا.
السياسة الروسية أكثر ذكاء فهي تعيش الفكر الاستراتيجي، وكذلك السياسة الصينية تعيش فلسفة التغيير والنفس الطويل، لهذا فالولايات المتحدة تستقبل الدالاي لاما وتعادي الصين، وتقدم أسلحة لتايون وتعادي الصين، وتحتضن السياسة الأمريكية الإخوان المسلمين الذين حولت بعضهم إلى عملاء وتعادي الشعب المصري بل والشعب العربي كله وهكذا.
الشعب الأمريكي شعب عظيم رفيع الخلق صاحب همة عالية، ولكن السياسة الأمريكية أسيرة الاعتبارات الثلاثة السابقة ترتكب الأخطاء الجسام رغم ما لديها من مراكز أبحاث وأجهزة استخبارات كثيرة ومتنوعة، ولكن من يقدم لها نصيحة مخلصة لا تروق لها فتعتبره عدواً لها.
ولهذا فإنني لا أستبعد قيام الولايات المتحدة بقطع باقي المعونة عن مصر كما حدث عام 1956م، وهذا سيكون فيه فائدة مزدوجة؛ الأولى للشعب المصري لكي يعتمد على نفسه وعلى أصدقائه الحقيقيين وعلى أشقائه العرب الذين بادروا لمساعدتها، خصوصاً السعودية والإمارات والكويت والمساندة الأدبية من البحرين، والثانية فائدة للدب الروسي وربما التنين الصيني، وإن كان الأخير أكثرت تحفظاً في حركته، لأن الصين احتفظت بحضارتها، ولم تتجه للخارج والتعرف على العالم الحقيقي المتنوع الأطياف، غير مهتمة أحياناً أن السياسة الدولية تحتاج لقرار سريع في لحظات معينة، ولهذا فإنني أدعو الصين إلى أن تبادر لإثبات صداقتها الحقيقية لمصر، التي كان زعيمها جمال عبدالناصر أول من اعترف بالصين متحدياً الولايات المتحدة آنذاك وأقام معها علاقات دبلوماسية قبل غيره من الدول العربية والإفريقية.
وروسيا كسياسة وكقيادة وخاصة شخصية مثل فلاديمير بوتين ابن الشيوعية والاستخبارات، فهو أكثر إقداماً وجرأة في انتهاز الفرص التي تتاح له لقلب الطاولة على خصومه، وتحقيق المكاسب لدولته، خذ على سبيل المثال موقفه في سوريا وأفغانستان وآسيا الوسطى وأوروبا أو مع إيران أو الهند أو غيرها. إنه يدرك الأبعاد المتعددة للسياسة والأوجه المتنوعة للثقافة، ويربط بين هذه الأبعاد. وبين سرعة الحركة والتغيير لدى بوتين بشكل أفضل من كثير من قادة الدول الأخرى، ولهذا فإن أوروبا أصبحت أسيرة الطاقة المستوردة من روسيا، كذلك الصين تحولت لعلاقة استراتيجية مع روسيا، رغم ما حدث من خلافات قديمة.
السؤال إلى أين تتجه مصر؟ أقول إن مصر لن تصبح خاضعة لروسيا أو أمريكا وإنما تعطي مصالحها الوطنية الأولوية، ثم تليها المصالح القومية العربية، لارتباط الأمن المصري عضوياً بالأمن القومي العربي، وفي مقدمته الأمن الخليجي، ولن تصبح أمريكية أو روسية. إذ أن مصر حفيدة حضارة عريقة منذ الفراعنة، وتعتز بحضارتها واستقلالها وترفض الخضوع لأية دولة، إنها تتصادق وأحيانا تتحالف مع روسيا، كما في مرحلة عبدالناصر، أو مع أمريكا كما في مرحلة السادات، ولكنها تسعى للحفاظ على استقلالية قرارها خاصة عندما يمس مبادئها وأمنها الوطني أو القومي العربي. إنها مصر المعتدلة المتوسطية ذات البعد الحضاري، وذات المكانة الاستراتيجية وهذه نصيحتي كباحث مصري متخصص في دراسة الأبعاد الحضارية للسياسة سواء في مصر أو الصين أو غيرها. وقد أصدرت كتابي المعنون « دبلوماسية الحوار الدولي» من مؤسسة الأهرام عام 2003، وتناولت فيها مفهوم الحوار السياسي والدبلوماسي مع مختلف التكتلات والقوى الدولية، ومن بينها روسيا والصين والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران والهند وباكستان وأوربا وغيرها. إن الدبلوماسية المصرية قادرة على اتخاذ القرار المناسب الذي يتماشى مع مصالحها، ولعلنا نذكر ثعلب الدبلوماسية المصرية الدكتور محمود فوزي وبعده الدكتور عصمت عبد المجيد وعمرو موسى وغيرهم كثيرون.
إن مصر هي محور السياسة العربية والإسلامية، فالأزهر الذي أقامه الفاطميون تحول ليكون مركزاً إسلاميا معتدلاً يجمع المسلمين من مختلف المذاهب والطوائف، ولهذا أصبح ركيزة للثقافة الإسلامية والعربية، دون الانحياز لمذهب ديني وكذلك السياسة المصرية والثقافة المصرية، لقد كان من أكبر الأخطاء للإخوان المسلمين أنهم تصوروا أن مصر عزبة لهم، وحقاً قال بابا الأقباط الراحل شنودة «إن مصر بلد يعيش فينا»، وليست بلداً نعيش فيه، وقال البابا الحالي تواضروس «إنه لا يهتم بتدمير بعض الكنائس، فالمباني يمكن إصلاحها وإعادة بنائها، ولكن يهم حماية الأرواح المصرية الغالية، بغض النظر عن انتمائها الديني. ولهذا كان الوفاق المصري كاملاً بين شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقصية، كما هو بين الهلال والصليب منذ ثورة 1919م، بل منذ فتح عمرو بن العاص مصر، وستبقى رغم المحن. أين هذا القول الكنسي من ذلك الزعيم الإخواني الذي لا يعرف قيمة مصر وشعبها وقال بعنجهية «طظ في مصر» أو ذلك الذي قال «ما لم أصبح حاكماً على مصر فسوف أشعلها ناراً» هؤلاء هم الطغاة الجدد ورثه هولاكو أو ذاك الذي قال أعيدوا لنا الرئيس مرسي يتوقف العنف في سيناء في لحظة واحدة.
إن تحليل الوضع الواقعي استناداً للتاريخ الحضاري المصري يوضح أن مصر ترتبط عضوياً من حيث الثقافة والسياسة بقوى خمس هي؛ الشعب والجيش والأزهر والكنيسة والبيروقراطية المصرية. الشعب المصري فرعوني التراث عربي اللغة متوسطي الثقافة إسلامي الدين، والجيش المصري منذ ثورة 1881 في العصر الحديث، وهو يلتحم بالشعب ويعبر عنه ضد المحتلين وضد الطغاة من الحكام، أما الأزهر والكنيسة فهما في تلاحم رغم اختلاف الدين. فالدين لله والوطن وللجميع. وهكذا عاشت مصر الفرعونية ومصر الإسلامية العربية ومصر الحديثة، إن تغير السياسة المصرية الخارجية الآن ليس سوى تغيير توجه سياسي، وليس تغيير هوية. فالهوية المصرية ترتبط بما أسماه العالم الجغرافي المصري المشهور جمال حمدان في كتابه الموسوعي شخصية مصر المتغلغلة في جذورها الجيو-استراتيجية والثقافية، وما أطلقت عليه في أحد مؤلفاتي المشتركة مع الدكتور مجدي المتولي بعنوان «هوية مصر» وهي هوية فريدة في نوعها لا تستطيع دولة ما أن تسيطر عليها سواء كصديقة أو حليفة. هي كما قال جمال عبدالناصر «نصادق من يصادقنا، ونعادي من يعادينا». ونحن لا ننشد عداء أحد من الجيران أو الأشقاء أو أي دولة، ولكننا نحرص على الحفاظ على هويتنا وترابنا الوطني وأمننا العربي، وبعدنا الحضاري العميق في إفريقيا، ارتباطاً بنهر النيل العظيم الذي هو جزء لا يتجزأ من هذه الحضارة العريقة، ولذلك لن نخذل أو نتخلى عن إخواتنا في القارة الأفريقية، فمصر عرفناها في القديم تنتمي للجنس الحامي في أفريقيا السمراء، كما إنها في حضارتها الإسلامية أصبحت تمتزج بالجنس السامي العربي. إن هذا المزيج المصري الفريد، هو ما ينبغي على كل مصري وكل صاحب قرار في العالم أن يأخذه في الحسبان، وعلى الولايات المتحدة أن تعيد النظر في منهج تعاملاتها مع مصر، كشعب وكحضارة، وكقوات مسلحة، هذا هو المدخل الصحيح لتعامل أي دولة مع مصر المعاصرة أو مصر المستقبل.