نعم؛ كانت البحرين بعير الاقتصاد الخليجي الأول؛ بل كانت فرسه وفارسه، فتسابقت الدول الخليجية والعربية والعالمية لتحوز على فرص الاستثمار، فجاءت الشركات العالمية والمصارف الدولية، كما توجهت شركات الإنشاءات الخليجية بعمالها ومصانعها إلى البحرين، كما استطاع المستثمر البحريني أن يؤسس شركات امتدت فروعها على مستوى دول الخليج والعالم، ولكن أين كل ذلك الآن؟
سنبدأ القصة منذ البداية؛ دول الخليج فتحت أبواب الاستثمار وحاربت كل عوائقه وحواجزه التي تجعل المستثمر يجعلها الخيار الأول، وأول هذه العوائق الضرائب التي ينفر منها المستثمر، كما ينفر منها المواطن الذي يجر أعماله إلى دول مجاورة يطمئن أن أرباحه وجهوده لن تذهب برداً وسلاماً إلى صندوق لا يعود إليه بفائدة ولا عائدة، نعم إن الضريبة هي الشعرة التي تقصم ظهر الاستثمار، وهو ما حدث في البحرين حين قصمت ضرائب هيئة سوق العمل ظهر بعير الاقتصاد الخليجي وفرسه وفارسه.
إن نوايا المسؤولين في دولهم وسعيهم لفتح باب الاستثمار الخارجي وتشجيع روح الاستثمار لدى التاجر البحريني هي نوايا صادقة، لكن مع الأسف أن أرضية الاستثمار في البحرين لا تشجع المستثمر سواء أكان أجنبياً أو خليجياً أو حتى بحرينياً لفتح شركات ومصانع، حين تصدمه قوانين هيئة سوق العمل والضرائب التي تفرض على المستثمر، والذي قد يكون زبوناً دائماً في دهاليز المحاكم، وقد يكون مصيره كمصير كثير من أصحاب الأعمال الذي قد يقبع منهم في السجون بسبب ضرائب هيئة سوق العمل والكساد الاقتصادي التي تسببت فيه «تمكين»، عندما فتحت الباب للمواطن الذي أغرته مئات الألوف من الدنانير لإنشاء مشاريع تجارية عادت على سوق البحرين بالكساد، وقتلت روح المنافسة بين أصحاب الأعمال، عندما أصابهم الإحباط من التخبط والعشوائية في تنظيم سوق العمل.
لقد فتشنا في التقارير الاقتصادية للدول الغربية والأفريقية والعربية والخليجية، فوجدنا الجميع يتسابق لتشجيع الاستثمار، وها هي وزارة التجارة والصناعة السعودية تقدم التسهيلات للمستثمرين مما يساهم في عودة رؤوس أموال الصناعيين المهاجرة، فقد عقدت في نوفمبر 2012 ورش عمل لتسليط الضوء على الإعفاءات الجمركية ودورها في دعم الصناعة الوطنية، شارك فيها أصحاب المصانع والجهات الحكومية ومملثو اللجان الصناعية، كما قلصت مدة إصدار السجلات التجارية من 14 يوماً إلى يوم واحد والترخيص الصناعي من 30 يوماً إلى 3 أيام، وخطاب تأييد العمالة من 22 يوماً إلى يوم واحد وإعفاء وتجديد التراخيص كل 3 سنوات بغرض تحديث البيانات والمتابعة الدورية، وللعلم لا توجد ضريبة على العامل الأجنبي ولا غرامات خيالية على المخالفات.
كذلك نرى حكومات خليجية أخرى تخطو بخطوات ثابتة لتجعل من بلدانها الوجهة الأولى للاستثمار؛ مثل دولة قطر، وذلك لما تتمتع به من مزايا مشجعة منها تدني كلفة رسوم الكهرباء والماء والغاز الطبيعي، عدم وجود ضرائب على استيراد الآلات الكبيرة وقطع غيارها والمواد الخام، وعدم وجود ضرائب على الصادرات، ولا تفرض ضرائب على العامل، وعدم وجود حصص كمية على الواردات، وغيرها من تسهيلات في المعاملات وحسن المعاملة وتقدير واحترام من الجهات الحكومية ذات العلاقة.
وتتوجه اليوم مصر إلى تحسين أرضية الاستثمار وإعادة النظر في الضرائب على المستثمرين والمواطنين من أصحاب الأعمال، حيث ذكرت إحدى التقارير أن المجتمع الضريبي يعد قيداً على الأوضاع الاقتصادية المتغيرة والتحديات التي تواجهها البلاد في كل مرحلة زمنية، كما يمثل تحولاً في فلسفة الضرائب التي تجعلها عنصراً طارداً للاستثمارات مقارنة بعناصر الجذب التي تمارسها الأسواق المنافسة مثل دبي وقطر، والتي تصل إلى حد عدم فرض ضرائب بما يهدد تحقيق المصالح العليا للبلاد والمواطنين.
إن فرض الضرائب هو العنصر الأساسي الطارد للاستثمار، وهو عدو المستثمر أكان أجنبياً أو مواطناً.. لذلك فلا بد للبحرين أن تعود إلى مكانتها الأولى، فهي بعير الخليج الاقتصادي وفرسه وفارسه، ولا يكون بذلك إلا بإصلاح سوق العمل وأولها إلغاء الضرائب، وذلك للدخول في سوق المنافسة الاستثماري، حيث إن أمام المستثمر الأجنبي والخليجي، وحتى البحريني، خيارات بين دول مجاوره تقدم له تسهيلات ومغريات تشجعه على الهجرة بأمواله إلى دولة ترحب بالمستثمر، لا تطارد المستثمر بين دهاليز المحاكم، في حين تذهب أرباحه وجهوده برداً وسلاماً إلى مؤسسات زادت من تفاقم كساد الاقتصاد.
ومن قلوب محبة للبحرين نتمنى أن يعود بعير الاقتصاد البحريني يتهودج بهودجه بين دول الخليج، ويعود بالبحرين إلى البلاد الجاذبة للاستثمار الأجنبي والمحلي كما كانت، وأن تعود الشركات البحرينية الرائدة التي بتعبها وكدها ومالها صنعت لها شركات ومصانع ومؤسسات تجارية عملاقة، هؤلاء الذين اليوم من يجب الاستماع إلى صوتهم ومشورتهم، وليس مشورات لا تحب الخير في البحرين والدليل سكوتها عن ما يحدث من فساد.