حكم التحكيم المنهي للخصومة يحوز حجية الأمر المقضي وتنتهي به إجراءات التحكيم، فهو الغاية النهائية من اتفاق التحكيم وإجراءاته، كما إنه ملزم للطرفين ونهائي وواجب النفاذ جبراً بعد الأمر بتنفيذه من قبل الجهة القضائية المختصة، ومن هنا وجب إفراغ محتوى الحكم وما انتهى إليه من قضاء شكل معين، ويفرض القانون في هذا الشكل شروطاً يجب توافرها من أجل ضمان سلامة الحكم وخلوه من العوار من ناحية، وحتى يمكن تنفيذه أو الطعن فيه من الناحية الأخرى.
ومن هنا وجب أن يكون الحكم مكتوباً وأن يتضمن عدداً من البيانات الإلزامية أو الجوهرية التي يترتب على إغفالها أو بعضها بطلان الحكم، ويختلف حكم التحكيم شكلاً عن الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية، فهناك بعض الفروق أهمها أنه لا ينطق بأحكام التحكيم في جلسة علنية، ولا يجوز نشرها أو أي جزء منها إلا بموافقة طرفي التحكيم، ولا يلزم إصدارها باسم السلطة العليا في البلاد.
مركز التحكيم التجاري لدول الخليج، جهة قضاء مستقل بذاته وإن كان مقره في البحرين، يختص بالنظر في المنازعات بين مواطني دول التعاون أو بينهم وبين الغير إذا اتفق الخصوم على التحكيم في إطاره، ويجرى التحكيم فيه وفقاً لقواعده «النظام واللائحة» بما لا محل للرجوع في أي شأن يتعلق بالأحكام الصادرة عنه إلى القوانين الخاصة بالدول الأعضاء إلا في حدود ما يسمح به نظام المركز ولائحة إجراءات.
وتخضع عادة أحكام التحكيم التي تصدرها هيئاته في إجراءاتها ابتداءً من قيد طلب التحكيم وبيان النزاع ووقائعه وأدلته وحتى صدور الحكم وتنفيذه إلى قواعد التحكيم الواردة بنظام ولائحة إجراءات التحكيم لدى المركز، وهي قواعد بطبيعتها ذات مرتبة خاصة في التراتب والتدرج التشريعي، فهي تعلو على القواعد القانونية المطبقة بالدول الأعضاء بمجلس التعاون باعتبارها في ذات مرتبة الاتفاقية الدولية كونها مستمدة من أصل سيادي إقليمي متعدد الأطراف وهو الإرادة المجتمعة للحكام ممثلي الدول الست بعيداً عن اختصاص القضاء المدني ودون التقيد بإجراءات المرافعات في قوانين الدول الأعضاء.
إن أحكام التحكيم لا تلتزم بالشكليات التي تلتزم بها الأحكام القضائية بشكل عام الصادرة من القضاء في دول مجلس التعاون، فلم يوجب على حكم التحكيم بأن يصدر باسم السلطة العليا كما هي الأحكام القضائية.
ولاشك في أن هذا التطور هو اتجاه محمود في إعفاء الأحكام التحكيمية من الالتزام بالشكليات المقررة في قوانين المرافعات المدنية، ما يقلل من أسباب الطعن بالبطلان على الأحكام التحكيمية، وبالتالي فهي داعمة للتحكيم كطريق استثنائي يخفف على القضاء ويزيل عن كاهله هذا الكم الرهيب من القضايا المعروضة عليه.
كما إنه يتوافق مع المبدأ السامي المسيطر على التحكيم وهو التسليم بمبدأ سلطان الإرادة التي اختارت سلوك طريق التحكيم بدلاً من اللجوء إلى القضاء، وبالتالي احترام إرادة الأطراف في إبعاد الأحكام -التي يسعون للحصول عليها- عن الالتزام بالشكليات غير الجوهرية في الأحكام والتخفيف من قيود قوانين المرافعات الوطنية.
ولما كانت الكويت وافقت على نظام المركز بالقانون رقم 14 لسنة 2002، والبحرين بالمرسوم بقانون رقم (6) لسنة 2000، والسعودية بقرار مجلس الوزراء رقم (102) لسنة 1423 هجري، والإمارات بقرار مجلس الوزراء رقم (5) لسنة 2001، وسلطنة عمان بقرار مجلس الوزراء بجلسته رقم (10) لسنة 2000، وقطر بقرار مجلس الوزراء في اجتماعه (29) لسنة 2001 ومن ثم فقد أصبح نظام المركز قانوناً من قوانين دول مجلس التعاون واجب التطبيق.
ومع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام، إذ لا يجوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام لما في ذلك من منافاة صريحة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص، فالأحكام التي يصدرها المركز الخليجي نهائية وملزمة ولا يطعن فيها إلا بالبطلان وفقاً للحالات المنصوص عليها حصراً بالمادة (36/2) من لائحة إجراءات تحكيم المركز.
ومن أجل طمأنة كثير من أصحاب المال والأعمال والاستثمار في دول الخليج، فإن الأحكام الصادرة من مركز التحكيم الخليجي نافذة في الدول الأعضاء وتعطى صراحة الأولوية في التنفيذ تطبيقاً لأحكام المعاهدات والاتفاقات التي تعقدها الدول على أحكام قانونها الوطني الداخلي وهو الأمر المنطقي المتسق والأعراف الدولية المستقرة واجبة الإعمال في شأن تنفيذ الأحكام الدولية الصادرة عن مركز التحكيم التجاري الخليجي الذي يعتبر إنشاؤه ثمرة من ثمرات قيام مجلس التعاون الخليجي.
الأمين العام لمركز التحكيم التجاري الخليجي