أخبار ارتفاع الأسعار باتت مجالاً للتندر والضحك. قبل أيام تداول «التويتريون» صورة للوحة كتبت باللغتين العربية والإنجليزية كانت معلقة على واجهة محل لبيع «المتاي» هي بمثابة إعلان للزبائن يعلمهم صاحب المحل فيه أن سعر كيلو المتاي سيكون اعتباراً من التاريخ الذي حدده في الإعلان بدينار ونصف الدينار. وقبل ذلك وبعده لم ولن تتوقف أخبار ارتفاع الأسعار التي يتم ترجمتها فوراً إلى واقع ولا يتم التراجع عن السعر الذي وصلت إليه السلعة التي أعلن عن ارتفاع سعرها حتى لو قامت القيامة.
المستهلك الذي لا حول له ولا قوة ولا يستطيع إلا أن يشتري ما يحتاجه لا يملك سوى أن يعبر عن استيائه فيعاتب وزارة التجارة التي من الواضح أنها تعاني من مشكلة في قدرتها على مراقبة الأسعار، ويعاتب الحكومة التي لاتزال بعيدة عن قبول فكرة أن المواطن صار بحاجة ماسة إلى زيادة في الرواتب ليتمكن من تحمل زيادة الأسعار التي شملت كل شيء بما فيها.. المتاي!
كان الخبز اللبناني يباع في كيس من النايلون، وهو يباع اليوم كذلك، لكن مع فارق ملحوظ؛ فالقروص الخمسة التي كانت ترتاح في الكيس صارت أربعة وتحول الخبز إلى ما يشبه الورق بسبب عملية الريجيم التي أخضع لها كي يبقى السعر على حاله، فلا يزعل المستهلك، فسعر الخبز لم يرتفع!
قبل فترة ارتفعت أسعار قطع غيار السيارات، وقبل يومين قرأنا تصريحاً لرئيس إحدى شركات التأمين عن عزم الشركات إقرار زيادة كبيرة في أسعار التأمين على السيارات، ومن الآن وحتى الغد سنسمع ونقرأ عن ارتفاع غير عادي في أسعار كثير من المواد والسلع الضرورية، والكمالية التي ما عادت كمالية.
المثير أنه عند الحديث عن ارتفاع الأسعار ينبري من يحاول أن يقارن الأسعار في البحرين بالأسعار في دول أخرى شقيقة مثل الإمارات وقطر، فيقول مثلاً إن سعر كيلو الصافي في البحرين لا يزيد عن ثلاثة دنانير بينما هو في الإمارات بعشرة، ويقول إن وقتاً ممتعاً تقضيه في مقهى حديث بالمنامة لا يكلفك سوى دنانير قليلة بينما هو في أبوظبي أو الدوحة أو دبي يكلفك أضعافاً كثيرة.
أما الجواب الذي لا يحب أن يلتفت إليه هؤلاء فهو أن الرواتب التي يحصل عليها الناس هناك تفوق الرواتب التي يحصل عليها الناس هنا كثيرا ما يعينهم على تحمل الارتفاع في الأسعار، وبالتالي لا مفر من قرار عاجل تتخذه الحكومة بإقرار زيادة معتبرة في الرواتب يصاحبه قرار بضبط الأمور كي لا ترتفع الأسعار أكثر وأكثر، وكي يتمكن من لا رواتب لهم من القطاعات الأخرى وحتى القطاع الخاص أن يشعروا بدفء تلك القرارات.
بالإمكان الاستغناء عن تناول المتاي والاكتفاء بشرائه في الأعياد «حفاظاً على التراث»، وبالإمكان الاستغناء عن أمور أخرى بطريقة أو بأخرى، لكن ليس بالإمكان الاستغناء عن كثير غيرها سواء كانت ضرورية أو التي صارت كذلك، كما ليس بالإمكان تطبيق عملية «خلوها تخيس» التي تم بها مواجهة ارتفاع أسعار الطماطم على كل شيء.
ارتفاع سعر سلعة يتلوه بالضرورة ارتفاع أسعار السلع المرتبطة بها وغير المرتبطة بها، والتاجر يبحث عن الفرصة والمبرر لرفع الأسعار وزيادة هامش ربحه، وهو لا يتردد عن القول إن «القناة بند» وإن كانت السلع التي يستوردها من شرق آسيا!
من هنا فإن مسؤولية الحكومة واضحة وكبيرة ولم يعد أمامها من «خيار» سوى إقرار زيادة معتبرة في الرواتب ومراقبة الأسعار وعدم السماح لكل من هزته نفسه لرفع الأسعار أن يرفعها على هواه.. مع ملاحظة أن سعر الخيار ارتفع أخيراً.. كما المتاي!