وصلت أمس إلى أغلى بلد قادماً من الأردن، شعرت أن الصيف حل علينا بالبحرين رغم الأمطار التي هطلت، فمن بعد الأجواء الباردة جداً بالأردن ومناطقها الشمالية وصلنا البحرين وشعرنا أننا أثقلنا على أنفسنا بالملابس.
في شمال الأردن حين ننزل من السيارة لوقت قصير، من فرط البرد الشديد تشعر أن أذناك ستسقطان من البرد، إن لم تغطهما.
كمواطن بسيط، تشغلني تلك الأسئلة حين يتعلق الأمر بمساعدة إخواننا المسلمين والعرب في الخارج، أقول في نفسي إلى من نتبرع، وأي جهة هي التي يمكنني الوثوق بها؟ هل ما سأدفعه من مبلغ للتبرع سوف يصل إلى الجهة التي أريد أن تذهب إليها أموالي؟
كنت ومازلت تشغلني هذه الأسئلة، حتى مع وجود جهات معدودة يمكن الوثوق بها، إلا أن مسألة المصداقية وسرعة نقل الأموال والمواد العينية تعتبر مسألة هامة للمتبرع. الكثير من أهل البحرين الطيبين الكرماء يريدون التبرع لإخوتنا من اللاجئين السوريين في الخارج، لكن هناك أمراً ما يشغلهم إلى من نعطي تبرعاتنا في البحرين، وهل ستصل تبرعاتنا، وهل هذه الجهات مرخصة من الدولة؟
مع بداية العام الجديد وجه إلي الإخوة الكرام في حملة «الجسد الواحد» دعوة لمرافقتهم إلى الأردن لتسليم تبرعات أهل البحرين إلى الإخوة السوريين هناك، وعرفت أن الوفد الشعبي يضم رجال أعمال ومجتمع وإعلام، فقد ضم الوفد الرجل الفاضل الوجيه الدكتور حسن إبراهيم كمال وهو يشغل عدة مناصب في جمعيات خيرية، والأستاذ المربي الفاضل محمد ياسين «بابا ياسين الذي قام بدور جميل تجاه الأطفال السوريين وأدخل على نفوسهم البهجة» والأستاذ يوسف الجاسم ناشط اجتماعي وصاحب مجلس بالرفاع، والأستاذ محمد الحدي رئيس جمعية المحرق الخيرية، والأستاذ يوسف القصير مهتم بالشأن السوري. راقت لي كثيراً هذه الفكرة، أن يتم إشراك مجموعة من أطياف المجتمع البحريني ضمن الوفد ليشرف ويشاهد ويطلع على كيفية توزيع تبرعات أهل البحرين، وهل تصل حقاً إلى إخوتنا السوريين؟ تبرعات أهل البحرين هذه المرة «وفي رحلة حملة الجسد الواحد السابعة» شملت أموالاً عينية وزعت على إخوتنا السوريين، وأغطية نوم، ومدافئ، وهذه كلها أمور مهمة جداً في هذا التوقيت من السنة وفي هذا البرد القارس جداً، بل إن الثلوج قد هبطت سابقاً، وقد تهبط مجدداً. لله الحمد فإن حملة «الجسد الواحد» تتعاون مع جمعية ورجال موثوق بهم هناك ومرخصة من الحكومة الأردنية، وهذا الأمر هام جداً لترتيب وصول المساعدات فهذه الجمعيات تعد قاعدة بيانات للمستحقين.
الرحلة إلى الأردن خلال يومين عمل كانت متعبة قليلاً، لكن هذا التعب لا نشعر به، بل حين نرى مأساة إخوتنا نحمد الله كثيراً أن حفظ بلادنا، وأننا بفضل الله أفضل من غيرنا، والنعمة والأمن متوفران، لذلك لم نشعر بالتعب، بل أغلب الوفد كان في حالة سعادة تامة حين شاهدوا المساعدات تصل إلى إخوتنا السوريين.
الزيارة شملت زيارة الجرحى والمصابين، وزيارة المعاقين، وزيارة الأيتام وأبناء الشهداء، كان ذلك بمدينة عمان، أما الزيارة الميدانية على الحدود السورية فكانت لتوزيع المساعدات العينية، والمساعدات المالية. مشاهد إخوتنا السوريين النساء والأطفال والرجال وهم يصطفون في طوابير لتلقي المساعدات كانت مؤلمة، كل هؤلاء كانوا قبل الحرب في بلادهم آمنين، ولديهم بيوتهم، ولديهم أعمالهم، اليوم هم يقفون لتلقي المساعدات من بعد جور الطغمة الحاكمة هناك. درسان مهمان في الرحلة، الأول هو أن مساعدات أهل البحرين تصل فعلاً إلى مستحقيها وهذا الأمر هام جداً، وهذا يتطلب أمانة ومصداقية وجهداً كبيراً، والحمد لله فإن حملة الجسد الواحد تضطلع بهذه المهمة، لذلك لا يجب أن نبخل على إخوتنا في سوريا في الداخل، والخارج بأن نتبرع إليهم حفظاً لكرامتهم، على هذا التبرع الذي سيلقى القبول من عند الله ويحفظ الله البحرين بما يجود به أهل البحرين رغم أن إمكاناتهم محدودة.
الدرس الثاني في تقديري هو نعمة الأمن والأمان، ولا شيء يساوي نعمة الأمان، فلله الحمد وله الشكر من قبل ومن بعد على حفظه للبحرين وأهلها، وإلا لكان حالنا كما حال إخوتنا وأكثر مأساوية، غير أن من يظن أننا وصلنا بر الأمان هو واهم، الخطر قائم، والدولة والمجتمع معاً لم يتعلما من الدرس أبداً، والدولة ربما أكثر من أي جهة تقع عليها المسؤولية. البحرين تحتاج إلى تخطيط استراتيجي قصير وبعيد المدى لدحر الإرهاب، ومواجهة الاستيلاء على الدولة من الداخل، هذا أكبر تحدٍ، فإن دخلت الدولة نفق نسيان ما حدث، فإن المستقبل لن يكون طيباً. أشكر الإخوة في حملة «الجسد الواحد» على ما قاموا به طوال حملاتهم السبع التي شملت دول الجوار السوري، وشملت الداخل السوري، ولله الحمد سمعة البحرين والعمل الخيري هناك طيبة، نسمعهم يشكرون للبحرين وأهلها، وهذه سمعة طيبة. أشكر الأخ النائب الشيخ عبدالحليم مراد، وأشكر الشيخ فيصل الغرير، والأخ خالد البلوشي، والأخ محمد لوري الزميل في صحيفة «الوطن»، جميعهم قاموا بجهود كبيرة مشكورة، جعل الله العمل خالصاً لوجهه الكريم، وجعله بميزان حسنات المتبرعين، وميزان حسنات الذين قاموا على توصيل المساعدات.
** مطارنا «آيل»..!
للمرة الأولى أشاهد مطار الأردن الجديد، بصراحة مستوى رائع وجميل يحاكي المطارات المتطورة بالخليج، كلما نشاهد دولاً تتقدم وتصعد وتتطور، نقول ولماذا لا يحدث ذلك لدينا؟ لماذا نبقى متخلفين عن الركب، مطار البحرين أنفقت على شركتين فقط لإعداد الدراسات فيه 20 مليون دينار، شركة أخذت 15 مليوناً، وشركة أخرى محلية أخذت 5 ملايين، وهذا منذ سنوات خلت، والمطار كما تشاهدون وترون، كل شيء فيه يحاكي التراث من الأجهزة إلى الخدمات إلى المبنى، فإلى متى يا بلد.
نستقبل معرضاً للطيران، ومطارنا «آيل للسقوط» هل يعقل هذا؟
20 مليون دينار ذهبت هباء، كم مدرسة تبني، كم مصنعاً، كم مستشفى؟
البحرين تحتاج إلى رجال مخلصين يعملون من أجل وطنهم، لا رجال يأخذون أموالاً حراماً، ولا يقولون الحقيقة لقادة البلد، هؤلاء لا ينبغي أن يبقوا في مناصبهم، التنمية تتعطل في البلد، وأنا وأنتم تعرفون كل شيء وتعرفون الذي لا نستطيع كتابته..!!
** بعض الإخوة يقدم لنا الشكر على مجهود الزيارة لإخوتنا السوريين في الأردن، إنما الشكر لله أولاً، ومن ثم لكل الأيادي الشريفة الطاهرة التي تتبرع كل شهر لإخوتنا في سوريا، إلى هؤلاء الشكر الحقيقي، إلى هؤلاء نقول شكراً على ما تقدمونه.