في يوم ميلادك تزدان الدنيا، تتألق قناديل السماء وتزهر درر البحار، في يوم ميلادك يشع النور قاطعاً الظُلم والظلام وناشراً الظل والأمان. بُعثت يا سيدي رحمةً للعالمين، وجاء من خلفك قوم أضاعوا الوصية وجعلوا دينك غضباً وقهراً وسيلاً جارفاً من الدماء، فمعذرة يا رسول الله. معذرة يا رسول الله من الذين فرقوا دينك وصاروا شيعاً يستحل بعضهم تكفير بعض، ويستبيحون دماء بعضهم وأعراضهم وأموالهم. أولئك الذين شُغلوا بتفسيق أهل القبلة وتبديعهم وإخراجهم من حظيرة التوحيد باسم الفرقة الناجية وتحت ذريعة تنقية العقيدة وتطهير الصفوف. أولئك الذين ضللوا مفهوم الدعوة من نشر الإسلام بين غير المسلمين وهدايتهم إلى عبادة الله الفرد الصمد الرزاق الوهاب الضار النافع المعطي المانع، إلى التشدد في دعوة الطوائف والفرق الإسلامية المخالفة لهم. أولئك الذين اختصموا في أصحابك وأهل بيتك واختلقوا البغضاء والشحناء بينهم وقد ماتوا، رضي الله عنهم جميعاً، وهم راضون عن بعضهم ومتحابون في دينك. أولئك الذين احتكروا الجنة في فرقهم وحدهم ووزعوا جهنم حصصاً متساوية على باقي مخالفيهم من المسلمين. فما جمعوا شتاتاً للمسلمين ولا زادوا فيهم أعداداً من غير المسلمين. معذرة يا رسول الله في الذين أضاعوا عهدك في أهل ذمتك، والذين قتلوا في حروبهم الواهية الراهب المتنسك في معبده والذمــي المنقطع لشأنه، والذين في نوبة جنونهم دعوا إلى أسر نسائهم سبايا يملكونهم فيما تملك أيمانهم الجائرة. أولئك الذين قتّلوا أهل الكتاب في العراق وسوريا وشردوهم وهدموا كنائسهم، أولئك الذين رفعوا راية طهروا الجزيرة من اليهود والنصارى ففجروا الحواري والمباني وقتلوا النصارى على الهوية، أولئك الذين استقووا على أهل نسبك من أقباط مصر وأرهبوهم وجعلوهم هدفاً لصراعهم على السلطة فحرقوا كنائسهم وسفكوا دماءهم وكسروا صلبانهم ثم صلبوهم جثثاً لمن لم يدفع الجزية منهم!! معذرة يا رسول الله في الذين لم يجعلوا لدينك وسماً إلا اللحى الكثيفة والشعور الشعثاء والوجوه الغاضبة الكالحة، أولئك الذين لم يُسمعوا عن دينك إلا التفجيرات والمجازر وقطع الرؤوس. تلك الوجوه والأصوات التي تبدو كأنها خرجت من كهوف القرون الحجرية أو كأنها امتداد للإنسان البدائي الذي يقتات على لحوم البشر. أولئك الذين حشرونا في زاوية المدافع عن دينك حين لطخوه بتهمة الإرهاب والتقتيل وكراهية العالم أجمعين. شغلونا عن نشر القيم الإنسانية الرفيعة في دينك بالتبرؤ من أعمالهم وتبرير جهلهم وعمالتهم للصهيونية العالمية والخزعبلات الماسونية وما استطعنا فبركته من حجج واهية. والحقيقة أننا جميعاً نتحمل جريرة التفريط في الحفاظ على دينك وتسليمه غنيمة ثمينة للجهلة من بعض الذين يدعون أنهم أئمة ومشايخ، وأصحاب الهوى والمطامع من الدجالين والأفاقين الذين سيطروا بخرافاتهم على عقول ثلة من شباب أمتك لم يجدوا من ينتشلهم من هذا الضلال ولا من يهديهم سبيل الرشاد. نحن المقصرون الخاطئون نحن المذنبون في حقك وحق ربك. فمعذرة يا رسول الله.
في يوم مولدك يا سيدي يا رسول الله تبقى أنت الرحمة المزجاة والنعمة المهداة لأهل الأرض على مر الأزمان، يبقى سبيلك هو المشكاة التي يستنير بها الطارق في متاهات الدروب. طبت حياً وميتاً يا صاحب الروضة. طبت ذكراً في الأولين والآخرين يا سيدي يا رسول الله. عليك الصلاة وأفضل التسليم.