أما آن الأوان لحلفاء إيران في كل بلاد العرب أن يعلموا أنهم لا يساوون شيئاً في ميزانها، وإنما تسخرهم فقط لتحقيق مصالحها وإن كانت على حسابهم بعد أن أغوتهم لدفع دمائهم والخروج على أوطانهم!! فإيران مستعدة وبكل سهولة للتخلي عنهم نهائياً، كما باعتهم في لحظة من أجل البقاء فقط في «تردد اتحاد الإذاعات العربية!!» حتى وإن عادت وكذبت ذلك! وسؤالي لهم: ألا تعتقدون أنها ستبيعكم فعلياً ونهائياً مقابل أي مصلحة أخرى ربما لا تتعدى خفض سعر الدجاج في أسواق طهران إن احترقت ورقتكم بالكامل وحان وقت التخلي عنها، وساعتها بماذا سينفع الندم؟!
فسواء تبرأ أم لم يتبرأ ذراع إيران السياسي والعسكري في لبنان المعروف بـ«حزب الله» من اعتذار وفد إدارة المجموعة اللبنانية للإعلام «تلفزيون المنار وإذاعة النور» للبحرين، بسبب خروجها عن الموضوعية واحترام المعايير المهنية في نقلها لأحداث فبراير 2011، فإن الأهم قد تحقق واتضحت للشارع العربي الممارسات المضللة التي قامت بها تلك القناة ومثيلاتها من الأذرع الإيرانية «المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية والميدانية والعسكرية» والتي تخدم نفس التوجهات وإن اختلفت الأسماء والأدوات والميادين.
فالقنوات التي تديرها المخابرات الإيرانية سعت لاستغلال سكرة أحداث الوطن العربي وشعوبه في ذلك العام من أجل ضرب الاستقرار والسلم الأهلي في البحرين وخلق الفوضى وتصوير ما يحدث هنا على أنه امتداد للثورات العربية والاستيلاء على البلاد ضمن المخطط الإيراني المنطلق من البحرين وصولاً إلى عواصم الخليج فدويلات العرب المترنحة، وكان لا سبيل لذلك أفضل من الإعلام الذي لعب دور الصانع والمحرك للأحداث على الأرض وليس الناقل لها، ودارت الشبهات آنذاك حول أصابع أمريكية إيرانية تتدخل في المنطقة، وهو أمر أكده اليوم هذا التقارب المعلن بين «محور الشر والشيطان الأكبر!» كما كان كل منهما يصف الآخر، فاتضح في النهاية أنه ليس لأي منهما مانع بحسب مقتضيات المصالح أن يتحالف مع الشر أو الشيطان!!
عموماً بالنسبة لنا فإن هذا الاعتذار غير مقبول وغير كافٍ ويرفضه شعب البحرين وإن قبلته المملكة رسمياً، فبعد كل ذلك التلفيق والانحياز والترويج لأخبار مضللة بهدف خلق الفوضى وتجييش شارع «المعارضة» وتأليبهم على الوطن وباقي مكوناته بهدف القيام «بثورة» مماثلة لما حصل في دول عربية سعياً لإسقاط نظام الحكم، لن نقبل هذا الاعتذار لأنه إنما جاء خوفاً من التعرض لمصير قناة الفبركة الكبرى «العالم»، وليس لأن المسؤولين في «المنار» اكتشفوا حقيقة ممارساتهم فجأة، أو أنهم واقعون تحت ضغط صحوة ضمير تثقل عليهم ليلهم! بل هي مقتضيات الحفاظ على مصالحهم وبقاء موطئ قدم لهم تماماً كما مقتضيات تلاقي «الشر بالشيطان».
لا يجب أيضاً استبعاد أن الاعتذار كان بتوجيه مباشر من «حزب الله»، رغم مزاعم الحزب «بأن الموقف الذي اتخذه وفد إدارة المجموعة اللبنانية للإعلام كان تقديراً خاصاً منه لم تتم مراجعة قيادة حزب الله فيه!»، فهل تريدون منا أن نصدق بأن هؤلاء بعقليتهم التي لا تتجاوز قيد أنملة توجيهات المرجعية، وبطبيعة تكوينهم «العسكري المخابراتي» سيقومون بهكذا خطوة تضرب توجهات وأهداف ومصداقية الحزب في الصميم دون الرجوع لقياداتهم؟! المنطق يقول لا يمكن أن يحدث ذلك، فقد نكون طيبين لكننا لسنا أغبياء. كما إنني لا أتفق مع بعض التحليلات التي ذهبت لكون «الحرس الثوري» الإيراني احتج على حماقة تلفزيون المنار التي تمس المصالح الحيوية للأمة الإيرانية فاضطر حزب الله لسحب اعتذاره، ولا أرجح كذلك رأي من وجد أن اعتذار قناة المنار التابعة لحزب الله دلالة على أن الحزب والجهات الإعلامية له تتبع النظام الإيراني، وبما أن طهران بدأت تسلك سياسة التقارب مع دول الخليج، جاء الاعتذار في سياق التقارب ذاته! فهل مازلنا في حاجة لما يثبت أن حزب الله وأذرعه تابعون لإيران؟!
لذلك لا يجب ألا نرحب بهذا الاعتذار أو نظن أنه نابع من تغير في السياسات الاستراتيجية لإيران وبالتالي لأذرعها، إنه الخوف فقط على مصالحهم وحرصهم على بقاء مسمار لهم في اتحاد إذاعات الدول العربية، فالبحرين تقدمت إلى الأمانة العامة لجامعة الدول بطلب إلغاء عضوية المجموعة اللبنانية للإعلام من اتحاد إذاعات الدول العربية، وصادق مجلس وزراء الإعلام العرب على توصية بذلك من المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب، وعندها وجد الحزب نفسه في مأزق فسارع لتلفيق القصة، والموضوع لا يحتاج لكثير من دهاء، ولنتخيل مثلاً هذا السيناريو لحوار بين قيادات الحزب ومسؤولي المنار: «انتو اعتزروا وبس ينلغي طلب البحرين، احنه بنقول ما بنعرف شي وما حدا شاورنه، وبيان من هون وتكزيب من هونيك، وخطبة من السيد حسن نصرالله، ويمكن كمان إقالة صورية لواحد أو اثنين من وفد القناة وخلاص كلو فدا السيد حسن!».
شريط إخباري..
أتمنى أن يحسن إعلامنا الخارجي وسفاراتنا وملحقياتنا استثمار وتوظيف هذا الاعتذار «إعلامياً» من خلال الحرص على نشره ببيانات رسمية في الصحف العالمية، وإرساله إلى المنظمات الأهلية والدولية والصحافية وما إلى ذلك.