كما قلنا يوم أمس... الزيادات المستمرة في الإنفاق العام، والعجز المتواصل في الميزانية العامة للدولة، والارتفاع المضطرد في الدين العام، والاعتماد شبه الكامل على الإيرادات النفطية، كلها مبررات تجعل الحكومة بحاجة إلى فلوس، إلى أموال تنفقها من أجل معالجة هذه الاختلالات.
ومن أجل الحصول على هذه الأموال عملت الحكومة على سد العجز في الميزانية بالاقتراض من أجل تسديد الديون السابقة، أي معالجة الدين بالدين، ولما وجدت أن ذلك لا يمكن السيطرة على تفاقمه ولا على المخاطر الناجمة عنه والمتعلقة بتخفيض التصنيف الائتماني وزيادة فوائد الديون، لجأت إلى تمديد فترة السداد إلى أكثر من 7 سنوات، تاركة الحل للمستقبل.
لكنها - أي الحكومة- وجدت أن هذا الحل غير كاف لتوفير السيولة في يدها، فلوحت من جديد إلى حل قديم سبق أن طرحته قبل 4 سنوات ودأبت على طرحه ثم التراجع عنه، وأعني به إلغاء الدعم المباشر وغير المباشر الذي تقدمه لدعم السلع الغدائية والمشتقات النفطية والكهرباء والماء وغيرها، وهو الدعم الذي كلف في عام 2013 حوالي مليار و 500 مليون دينار، وقدر في العام الحالي 2014 وبحوالي مليار و 661 مليون دينار، وبالتالي الاستفادة من هذه الأموال في توفير احتياجات الحكومة.
المعروف أن إلغاء الدعم عن كافة السلع والخدمات مطلب ثابت لصندوق النقد الدولي كجزء من إصلاح الاقتصاد، لكن الحكومة تطرحه من باب الإصلاح الاجتماعي، وتروجه على اعتبار أن هدفها هو إعطاء الدعم لمستحقيه من فئات المواطنين المحتاجة فقط.
لكن الطريف في الموضوع أن الحكومة وعلى غير عادتها في السنوات السابقة استعجلت في إلغاء الدعم، واتخذت خطوات عملية تمثلت في إصدار قرارين حكوميين بإلغاء الدعم عن الديزل والأسفلت، وإن استعجالها هذا قد جعلها لا تدرك أنها بذلك خالفت الدستور الذي يلزمها بإصدار قانون، وأنها اختارت مشتقين نفطيين ليس لهما علاقة مباشرة بمصلحة المواطن.
وغير موضوع إلغاء الدعم، ولأنها محتاجة إلى فلوس فقد لجأت الحكومة إلى أخذ 50% من إيرادات رسوم سوق العمل، وظلت تستفيد منها أكثر من 7 أشهر قبل أن يصل المرسوم إلى مجلسي النواب والشورى اللذين رفضا عملية الاستحواذ هذه، وأعادا نسبة الخمسين بالمئة الى الجهة التي تستحقها وهو «تمكين».
لكن محاولات الحكومة للحصول على أموال تغطي احتياجاتها المستمرة في الازدياد لم ولن تتوقف، وهذه المرة تسربت هذه المحاولات من خلال نقاش الحساب الختامي، ومنه تبين- حسب مجلس الشورى- أن الحكومة في 2011 اقترضت مليار دينار بهدف سد العجز في ميزانية ذلك العام الذي بلغ 30 مليون دينار فقط، ولما طرح هذا السؤال على وزير المالية، وسئل أيضاً عن مصير فرق المبلغ وهو 970 مليون دينار لم يجب، وأعيد طرح السؤال عليه هذا الأسبوع في مجلس النواب فرد قائلاً: أنتم تعلمون جيداً الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد.
هذا يعني بالطبع أن الحكومة لا تقترض دائماً من أجل سد العجز في الميزانية، وهو الاقتراض المتواصل طوال العام والذي يؤدي- كما أسلفنا- إلى ارتفاع الدين العام، وإنما تقترض كذلك للحصول على أموال تستعملها في أغراض أخرى، وبعيداً عن أنظار السلطة التشريعية.
الأدهى من ذلك ما تكشف هذا الأسبوع من خلال سؤال وجه في مجلس النواب لوزير المالية حول العلاقة بين العجز في الميزانية وارتفاع الدين العام من حيث التوقيت، وبني السؤال على أن الحكومة تضع سعراً مستهدفاً للبرميل من نفظ البحرين (حقل أبو سعفه)، وبما يعني أن تحقيق هذا السعر يؤدي إلى تحقيق ميزانية عامة متوازنة، أي بلا عجز ولا فائض، وأن هذا السعر في الميزانيات السابقة كان 80 دولاراً للبرميل، وفي ميزانية 2013-2014 رفع هذا السعر إلى 90 دولاراً للبرميل.
وبما أن سعر برميل نفظ البحرين لم يقل طوال السنوات السابقة عن 95 دولاراً، وانه ارتفع في العام الماضي الى 110 دولارات، فهذا يعني أن الميزانيات العامة للدولة لم تعان من عجز، بل إنها حققت فائضاً، وأن العجز الذي يذكر في الميزانيات التي تقدم لمجلسي النواب والشورى هو تقديري آخذاً في الاعتبار إمكانية انخفاض سعر النفط الى ما دون 90 دولاراً، لكن هذا الانخفاض لم يحدث، وبالتالي فإن العجز 2013 بحوالي 833 مليون دينار هو وهمي، وكذلك الحال بالنسبة للعجز المقدر في ميزانية 2014 بحوالي 914 مليون دينار سيصبح وهمياً إذا بقيت أسعار النفط فوق 90 دولاراً.
وزير المالية اختصر إجابته على هذا السؤال بطلب رجوع النائب السائل إلى الحسابات الختامية للدولة ففيها الجواب الشافي على هذا السؤال أو غيره، علماً أن مجلس النواب رفض مؤخراً ولسادس مرة على التوالي الموافقة على الحساب الختامي للدولة، والذي يتباهى به وزير المالية، سبب الرفض هو عدم دقة ومصداقية هذا الحساب!
لكن الحكومة معذورة فهي محتاجة فلوس.